للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد أمر الله-تعالى-بالوفاء في الكيل والميزان، فقال: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا﴾ [الإسراء: ٣٥]، وقال: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ [الأنعام: ١٥٢]، وقال: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ [الرحمن: ٩]. وأهلك الله قوم شعيب ودَمَّرهم على ما كانوا يبخسون الناس في المكيال والميزان.

ثم قال تعالى متوعدا لهم: (أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ)؟ أي: أما يخافُ أولئك من البعث والقيام بين يَدَي من يعلم السرائر والضمائر، في يوم عظيم الهول، كثير الفزع، جليل الخطب، من خسر فيه أدخل نارا حامية؟

وقوله: (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) أي: يقومون حفاة عراة غُرلا في موقف صعب حَرج ضيق ضنَك على المجرم، ويغشاهم من أمر الله-ما تَعْجزُ القوى والحواس عنه.

قال الإمام مالك: عن نافع، عن ابن عمر أن النبي قال: " (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه".

رواه البخاري، من حديث مالك وعبد الله بن عون، كلاهما عن نافع، به (١). ورواه مسلم من الطريقين أيضا. وكذلك رواه صالح [وثابت بن كيسان] (٢) وأيوب بن يحيى، وعبد الله وعبيد الله ابنا عمر، ومحمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، به (٣).

ولفظ الإمام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر: سمعت رسول الله يقول:: " (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) لعظَمة الرحمن ﷿ يوم القيامة، حتى إن العرقَ ليُلجِمُ الرجالَ إلى أنصاف آذانهم" (٤).

حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا ابن المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني سليم بن عامر، حدثني المقداد-يعني ابن الأسود الكندي-قال: سمعت رسول الله يقول: "إذا كان يومُ القيامة أدنِيَت الشمس من العباد، حتى تكون قيدَ ميل أو ميلين، قال: فتصهرهم الشمس، فيكونون في العَرق كقَدْر أعمالهم، منهم من يأخذه إلى عَقِبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حَقْوَيه، ومنهم من يلجمه إلجاما".

رواه مسلم، عن الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة-والترمذي، عن سويد، عن ابن المبارك-كلاهما عن ابن جابر، به (٥).

حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن سَوَّار، حدثنا الليث بن سعد، عن معاوية


(١) صحيح البخاري برقم (٢٨٦٢، ٦٥٣١).
(٢) زيادة من أ.
(٣) صحيح مسلم برقم (٢٨٦٢).
(٤) المسند (٢/ ٣١).
(٥) المسند (٦/ ٣) وصحيح مسلم برقم (٢٨٦٤) وسنن الترمذي يرقم (٢٤٢١).