للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَعْضٍ. وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ أَنَّهُ التَّحَرُّكُ (١) فِي اسْتِدَارَةٍ. قَالَ: وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى بَيْتَ الْأَعْشَى:

كَأَنَّ مشْيَتَها مِنْ بيتِ جَارتها ... مَورُ السَّحَابَةِ لَا رَيْثٌ وَلَا عَجَلُ (٢)

{وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} أَيْ: تَذْهَبُ فَتَصِيرُ هَبَاءً مُنْبَثًّا، وَتُنْسَفُ نَسْفًا.

{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} أَيْ: وَيْلٌ لَهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَنَكَالِهِ بِهِمْ، وَعِقَابِهِ لَهُمْ.

{الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} أَيْ: هُمْ فِي الدُّنْيَا يَخُوضُونَ فِي الْبَاطِلِ، وَيَتَّخِذُونَ دِينَهُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا.

{يَوْمَ يُدَعُّونَ} أَيْ: يُدْفَعُونَ وَيُسَاقُونَ، {إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} : وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ، وَالثَّوْرِيُّ: يُدْفَعُونَ فِيهَا دَفْعًا.

{هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} أَيْ: تَقُولُ لَهُمُ الزَّبَانِيَةُ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا.

{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ اصْلَوْهَا} أَيِ: ادْخُلُوهَا دُخُولَ مَنْ تَغْمُرُهُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} أَيْ: سَوَاءٌ صَبَرْتُمْ عَلَى عَذَابِهَا وَنَكَالِهَا أَمْ لَمْ تَصْبِرُوا، لَا مَحِيدَ لَكُمْ عَنْهَا وَلَا خَلَاصَ لَكُمْ مِنْهَا (٣) ، {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أَيْ: وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ أَحَدًا، بَلْ يُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ.

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠) }

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَالِ السُّعَدَاءِ فَقَالَ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} ، وَذَلِكَ بِضِدِّ مَا أُولَئِكَ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ.

{فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} أَيْ: يَتَفَكَّهُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنَ النَّعِيمِ، مِنْ أَصْنَافِ الْمَلَاذِّ، مِنْ مَآكِلَ وَمَشَارِبَ وَمَلَابِسَ وَمَسَاكِنَ وَمَرَاكِبَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، {وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} أَيْ: وَقَدْ نَجَّاهُمْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَتِلْكَ نِعْمَةٌ مُسْتَقِلِّةٌ بِذَاتِهَا عَلَى حِدَتِهَا مَعَ مَا أُضِيفَ إِلَيْهَا مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، الَّتِي فِيهَا مِنَ السُّرُورِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خطر عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ.

وَقَوْلُهُ: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ، كَقَوْلِهِ: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الْحَاقَّةِ: ٢٤] . أَيْ هَذَا بِذَاكَ، تَفَضُّلًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا.

وَقَوْلُهُ: {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ} قَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: السُّرُرُ فِي الْحِجَالِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو؛ أنه سمع الهيثم بن


(١) في م، أ: "المتحرك".
(٢) البيت في تفسير الطبري (٢٧/١٣) .
(٣) في أ: "فيها".

<<  <  ج: ص:  >  >>