للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عزريا وميشائيل، فأوقد لهم أتونا وألقى فيه الحطب والنار، ثم ألقاهما فيه، فجعلها الله عليهما بردًا وسلاما، وأنقذهما منها، وألقى فيها الذين بغوا عليه وهم تسعة رهط، فأكلتهم النار.

وقال أسباط، عن السدي في قوله: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ) قال: كانت الأخدود ثلاثة: خَدّ بالعراق، وخَدّ بالشام، وخَدّ باليمن. رواه ابن أبي حاتم.

وعن مقاتل قال: كانت الأخدود ثلاثة: واحدة بنجران باليمن، والأخرى بالشام، والأخرى بفارس، أما التي بالشام فهو أنطنانوس الرومي، وأما التي بفارس فهو بختنصر، وأما التي بأرض العرب فهو يوسف ذو نواس. فأما التي بفارس والشام فلم ينزل الله فيهم قرآنا، وأنزل في التي كانت بنجران.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدَّشْتَكي، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع-هو ابن أنس-في قوله: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ) قال: سمعنا أنهم كانوا قومًا في زمان الفترة فلما رأوا ما وقع في الناس من الفتنة والشر وصاروا أحزابًا، ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٣، الروم: ٣٢]، اعتزلوا إلى قرية سكنوها، وأقاموا على عبادة الله ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البينة: ٥]، وكان هذا أمرهم حتى سمع بهم جبار من الجبارين، وحُدّث حديثهم، فأرسل إليهم فأمرهم أن يعبدوا الأوثان التي اتخذوا (١) وأنهم أبوا عليه كلّهم وقالوا: لا نعبد إلا الله وحده، لا شريك له. فقال لهم: إن لم تعبدوا هذه الآلهة التي عبدتُ فإني قاتلكم. فأبوا عليه، فخَدَّ أخدودا من نار، وقال لهم الجبار-وَوَقَفهم عليها-: اختاروا هذه أو الذي نحن فيه. فقالوا: هذه أحب إلينا. وفيهم نساء وذرية، ففزعت الذرية، فقالوا لهم: لا نار من بعد اليوم. فوقعوا فيها، فقبضت أرواحهم من قبل أن يمسهم حَرّهُا، وخرجت النار من مكانها فأحاطت بالجبارين، فأحرقهم الله بها، ففي ذلك أنزل الله، ﷿: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد)

ورواه ابن جرير: حُدِّثت عن عمار، عن عبد الله بن أبي جعفر، به نحوه (٢).

وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) أي: حَرقوا (٣) قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن أبْزَى.

(ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) أي: لم يقلعوا عما فعلوا، ويندموا على ما أسلفوا.

(فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) وذلك أن الجزاء من جنس العمل. قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة.

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)


(١) في أ: "التي لتخذوها".
(٢) تفسير الطبري (٣٠/ ٨٨).
(٣) في م: "حرقوا بالنار".