للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: وكذلك روينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه كان يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر، ويتلو هذه الآية (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)

وقال أبو الأحوص: إذا أتى أحدكم سائل وهو يريد الصلاة، فليقدم بين يدي صلاته زكاته، فإن الله يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)

وقال قتادة في هذه الآية (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) زكى ماله وأرضى خالقه.

﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (١٩)

ثم قال تعالى: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) أي: تقدمونها على أمر الآخرة، وتبدونها على ما فيه نفعهم وصلاحهم في معاشهم ومعادهم، (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) أي: ثواب الله في الدار الآخرة خير من الدنيا وأبقى، فإن الدنيا دنيَّة فانية، والآخرة شريفة باقية، فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى، ويهتم بما يزول عنه قريبا، ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد؟!

قال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا ذُوَيد، عن أبي إسحاق، عن عُرْوَة، عن عائشة قالت: قال رسول الله : "الدنيا دَارُ من لا دارَ له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له" (١).

وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا يحيى بن واضح، حدثنا أبو حمزة، عن عطاء، عن عَرْفَجة الثقفي قال: استقرأت ابن مسعود: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى) فلما بلغ: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) ترك القراءة، وأقبل على أصحابه وقال: آثرنا الدنيا على الآخرة. فسكت القوم، فقال: آثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها، وزُويت عنا الآخرة فاخترنا هذا العاجل وتركنا الآجل (٢).

وهذا منه على وجه التواضع والهضم، أو هو إخبار عن الجنس من حيث (٣) هو، والله أعلم.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، حدثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن عبد الله، عن أبي موسى الأشعري: أن رسول الله قال: "من أحب دنياه أضر بآخرته، ومَن أحبّ آخرته أضرّ بدنياه، فآثروا ما يبقَى على ما يفنى". تفرد به أحمد.

وقد رواه أيضا عن أبي سلمة الخزاعي، عن الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، به مثله سواء (٤).

وقوله: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) قال الحافظ أبو بكر البزار:


(١) المسند (٦/ ٧١) وقال الهيثمي في المجمع (١٠/ ٢٨٨): "رجاله رجال الصحيح غير ذويد وهو ثقة".
(٢) تفسير الطبري (٣٠/ ١٠٠).
(٣) في أ: "من جنسه".
(٤) المسند (٤/ ٤١٢) ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (٢٤٧٣) "موارد" من طريق يعقوب بن عبد الرحمن، عن عمرو بن أبي عمرو به.