للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ -هُوَ ابْنُ سِيرِينَ-قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَقُولُ: لَقَدِ انْشَقَّ الْقَمَرُ (١) .

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الْجَبَلَ مِنْ فَرْج الْقَمَرِ حِينَ انْشَقَّ.

وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُؤَمَّل، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاك، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى رَأَيْتُ الْجَبَلَ مِنْ بَيْنِ فُرْجَتَيِ الْقَمَرِ (٢) .

وَقَالَ لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَ فِرْقَتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ: "اشْهَدْ يَا أَبَا بَكْرٍ". فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: سُحِر الْقَمَرُ حَتَّى انْشَقَّ (٣) .

وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً} أَيْ: دَلِيلًا وَحُجَّةً وَبُرْهَانًا {يُعْرِضُوا} أَيْ: لَا يَنْقَادُونَ لَهُ، بَلْ يُعْرِضُونَ عَنْهُ وَيَتْرُكُونَهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، {وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} أَيْ: وَيَقُولُونَ: هَذَا الَّذِي شَاهَدْنَاهُ مِنَ الْحُجَجِ، سحرٌ سُحِرْنَا بِهِ.

وَمَعْنَى {مُسْتَمِرٌّ} أَيْ: ذَاهِبٌ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمَا، أَيْ: بَاطِلٌ مُضْمَحِلٌّ، لَا دَوَامَ لَهُ.

{وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} أَيْ: كَذَّبُوا بِالْحَقِّ إِذْ جَاءَهُمْ، وَاتَّبَعُوا مَا أَمَرَتْهُمْ بِهِ آرَاؤُهُمْ وَأَهْوَاؤُهُمْ مِنْ جَهْلِهِمْ وَسَخَافَةِ عَقْلِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: {وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} قَالَ (٤) قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ: أَنَّ الْخَيْرَ وَاقِعٌ بِأَهْلِ الْخَيْرِ، وَالشَّرَّ وَاقِعٌ بِأَهْلِ الشَّرِّ.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مُسْتَقِرٌّ بِأَهْلِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: {مُسْتَقِرٌّ} أَيْ: وَاقِعٌ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأنْبَاءِ} أَيْ: مِنَ الْأَخْبَارِ عَنْ قِصَصِ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ، وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعِقَابِ وَالنَّكَالِ وَالْعَذَابِ، مِمَّا يُتْلَى عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الْقُرْآنِ، {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} أَيْ: مَا فِيهِ وَاعِظٌ لَهُمْ عَنِ الشِّرْكِ وَالتَّمَادِي عَلَى التَّكْذِيبِ.

وَقَوْلُهُ: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} أَيْ: فِي هِدَايَتِهِ تَعَالَى لِمَنْ هَدَاهُ وَإِضْلَالِهِ لِمَنْ أَضَلَّهُ، {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} يَعْنِي (٥) : أَيُّ شَيْءٍ تُغْنِي النُّذُرُ عَمَّنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الشَّقَاوَةَ، وَخَتَمَ عَلَى قَلْبِهِ؟ فَمَنِ الَّذِي يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ؟ وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الْأَنْعَامِ: ١٤٩] ، وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا تُغْنِي (٦) الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: ١٠١] .


(١) تفسير الطبري (٢٧/٥١) .
(٢) المسند (١/٤١٣) .
(٣) تفسير الطبري (٢٧/٥١) .
(٤) في م: "قاله".
(٥) في م، أ: "بمعنى".
(٦) في م، أ: "فما تغني".

<<  <  ج: ص:  >  >>