للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَذَا، فَيُفْسِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ، وَيُزِيلُهُ عَنْ صِفَتِهِ الَّتِي هِيَ مَقْصُودَةٌ مِنْهُ. وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يُسَمَّى بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا.

وَقَوْلُهُ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} أَيْ: مِنْ مَجْمُوعِهِمَا، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا (١) كَفَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الْأَنْعَامِ:١٣٠] وَالرُّسُلُ إِنَّمَا كَانُوا فِي الْإِنْسِ خَاصَّةً دُونَ الْجِنِّ، وَقَدْ صَحَّ هَذَا الْإِطْلَاقُ. وَاللُّؤْلُؤُ مَعْرُوفٌ، وَأَمَّا الْمَرْجَانُ فَقِيلَ: هُوَ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، وَأَبُو رَزِينٍ، وَالضَّحَّاكُ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ.

وَقِيلَ: كِبَارُهُ وَجَيِّدُهُ. حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ (٢) أَنَسٍ، وَحَكَاهُ عَنِ السُّدِّيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَمُجَاهِدٍ أَيْضًا، وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ.

وَقِيلَ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ أَحْمَرُ اللَّوْنِ. قَالَ السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْمَرْجَانُ: الْخَرَزُ الْأَحْمَرُ. قَالَ السُّدِّيُّ وَهُوَ البُسَّذ (٣) بِالْفَارِسِيَّةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فَاطِرٍ:١٢] ، فَاللَّحْمُ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْأُجَاجِ وَالْعَذْبِ، وَالْحَلِيَّةُ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الْمِلْحِ دُونَ الْعَذْبِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا سَقَطَتْ قَطُّ قَطْرَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فِي الْبَحْرِ، فَوَقَعَتْ فِي صَدَفَةٍ إِلَّا صَارَ مِنْهَا لُؤْلُؤَةٌ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَزَادَ: فَإِذَا لَمْ تَقَعْ فِي صَدَفَةٍ نَبَتَتْ بِهَا عَنْبَرَةٌ. وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نحوه.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ، فَتَحَتِ الْأَصْدَافُ فِي الْبَحْرِ أَفْوَاهَهَا، فَمَا وَقَعَ فِيهَا -يَعْنِي: مِنْ قَطْرٍ-فَهُوَ اللُّؤْلُؤُ.

إِسْنَادُهُ (٤) صَحِيحٌ، وَلَمَّا كَانَ اتِّخَاذُ هَذِهِ الْحِلْيَةِ نِعْمَةً عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، امْتَنَّ بِهَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ (٥) : {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} .

وَقَوْلُهُ: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ} يَعْنِي: السُّفُنَ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَا رَفَعَ قَلْعَهُ مِنَ السُّفُنِ فَهِيَ مُنْشَأَةٌ، وَمَا لَمْ يَرْفَعْ قَلْعَهُ فَلَيْسَ بِمُنْشَأَةٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: {الْمُنْشَآتُ} يَعْنِي الْمَخْلُوقَاتِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُنْشِآتُ -بِكَسْرِ الشِّينِ-يَعْنِي: الْبَادِئَاتِ.

{كَالْأَعْلَامِ} أَيْ: كَالْجِبَالِ فِي كِبَرِهَا، وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَتَاجِرِ وَالْمَكَاسِبِ الْمَنْقُولَةِ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، وَإِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ، مِمَّا فِيهِ مِنْ صَلَاحٍ لِلنَّاسِ فِي (٦) جَلْبِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْبَضَائِعِ؛ وَلِهَذَا قَالَ [تَعَالَى] (٧) {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} .


(١) في أ: "أحدهما".
(٢) في أ: "عن".
(٣) في م، أ: "الكسد".
(٤) في م: "إسناد".
(٥) في م: "وقال".
(٦) في م: "من".
(٧) زيادة من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>