للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} ، قَالَ: "يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا" (١) .

ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ لَوْحًا مَحْفُوظًا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، دَفَّتَاهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ، قَلَمُهُ نُورٌ، وَكِتَابُهُ نُورٌ، عَرْضُهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، يَنْظُرُ فِيهِ كُلَّ يوم ثلثمائة وَسِتِّينَ نَظْرَةً، يَخْلُقُ فِي كُلِّ نَظْرَةٍ، وَيُحْيِي وَيُمِيتُ، وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ، وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٢) .

{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٢) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٦) } .

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} ، قَالَ: وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِلْعِبَادِ، وَلَيْسَ بِاللَّهِ شُغْلٌ وَهُوَ فَارِغٌ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ: هَذَا وَعِيدٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: قَدْ دَنَا مِنَ اللَّهِ فَرَاغٌ لِخَلْقِهِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ} أَيْ: سَنَقْضِي لَكُمْ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: سَنُحَاسِبُكُمْ (٣) ، لَا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، يُقَالُ (٤) لِأَتَفَرَّغَنَّ لَكَ" وَمَا بِهِ شُغْلٌ، يَقُولُ: "لَآخُذَنَّكَ عَلَى غِرَّتك (٥) ".

وَقَوْلُهُ: {أَيُّهَا الثَّقَلانِ} الثَّقَلَانِ: الْإِنْسُ وَالْجِنُّ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ: "يَسْمَعُهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ" وَفِي رِوَايَةٍ: "إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ". وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ: "الثَّقَلَانِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ" {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} .

ثُمَّ قَالَ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ} أَيْ: لَا تَسْتَطِيعُونَ هَرَبًا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، بَلْ هُوَ مُحِيطٌ بِكُمْ، لَا تَقْدِرُونَ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ حُكْمِهِ، وَلَا النُّفُوذِ عَنْ حُكْمِهِ فِيكُمْ، أَيْنَمَا ذَهَبْتُمْ أُحِيطَ بِكُمْ، وَهَذَا فِي مَقَامِ الْمَحْشَرِ، الْمَلَائِكَةُ مُحْدِقَةٌ بِالْخَلَائِقِ، سَبْعَ صُفُوفٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى الذَّهَابِ {إِلا بِسُلْطَانٍ} أَيْ: إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ، {يَقُولُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ. كَلا لَا وَزَرَ. إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} [الْقِيَامَةِ:١٠-١٢] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس: ٢٧]


(١) مسند البزار برقم (٢٢٦٨) "كشف الأستار". قال ابن حجر: "البيلماني ضعيف".
(٢) تفسير الطبري (٢٧/٧٩) .
(٣) في م: "سيحاسبكم".
(٤) في أ: "يقول".
(٥) في م: "غرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>