للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة: جاء الله من طور سيناء -يعني الذي كلم الله عليه موسى [بن عمران] (١) -وأشرق من سَاعيرَ -يعني بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى-واستعلن من جبال فاران -يعني: جبال مكة التي أرسل الله منها محمدًا-فذكرهم (٢) على الترتيب الوجودي بحسب ترتيبهم في الزمان، ولهذا أقسم بالأشرف، ثم الأشرف منه، ثم بالأشرف منهما.

وقوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) هذا هو المقسم عليه، وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة، وشكل منتصب القامة، سَويّ الأعضاء حسنها.

(ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) أي: إلى النار. قاله مجاهد، وأبو العالية، والحسن، وابن زيد، وغيرهم. ثم بعد هذا الحسن والنضارة مصيره إلى النار إن لم يطع الله ويتبع الرسل؛ ولهذا قال: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)

وقال بعضهم: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) أي: إلى أرذل العمر. رُوي هذا عن ابن عباس، وعكرمة -حتى قال عكرمة: من جمع القرآن لم يُرَدّ إلى أرذل العمر. واختار ذلك ابن جرير. ولو كان هذا هو المراد لما حَسُن استثناء المؤمنين من ذلك؛ لأن الهَرَم قد يصيبُ بعضهم، وإنما المراد ما ذكرناه، كقوله: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [العصر: ١ - ٣].

وقوله: (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي: غير مقطوع، كما تقدم.

ثم قال: (فَمَا يُكَذِّبُكَ) يعني: يا ابن آدم (بَعْدُ بِالدِّينِ)؟ أي: بالجزاء في المعاد وقد علمت البدأة، وعرفت أن من قدر على البدأة، فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى، فأي شيء يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا؟

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن منصور قال: قلت لمجاهد: (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) عنى به النبي قال: مَعَاذ الله! عنى به الإنسان. وهكذا قال عكرمة وغيره.

وقوله: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) أي: أما هو أحكم الحاكمين، الذي لا يجور ولا يظلم أحدًا، ومن عَدْله أن يقيم القيامة فينصف المظلوم في الدنيا ممن ظلمه. وقد قدمنا في حديث أبي هريرة مرفوعًا: "فإذا قرأ أحدكم (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) فأتى على آخرها: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين" (٣).

آخر تفسير [سورة] (٤) " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ " ولله الحمد.


(١) زيادة من م.
(٢) في م: "مخبرا عنهم".
(٣) انظر: تفسير الآية الأخيرة من سورة القيامة.
(٤) زيادة من م، أ.