للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فأشهرت شهرًا لا يأتيه منها خبر، فنزلت: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) ضبحت بأرجلها، (فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا) قدحت بحوافرها الحجارة فأورت نارًا، (فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا) صبَّحت القوم بغارة، (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا) أثارت بحوافرها التراب، (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) قال: صبحت القوم جميعا (١).

وقوله: (إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) هذا هو المقسم عليه، بمعنى: أنه لنعم ربه لجحود كفور.

قال ابن عباس، ومجاهد وإبراهيم النَّخعِي، وأبو الجوزاء، وأبو العالية، وأبو الضحى، وسعيد بن جبير، ومحمد بن قيس، والضحاك، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، وابن زيد: الكنود: الكفور. قال الحسن: هو الذي يعد المصائب، وينسى نعم ربه.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله : (إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) قال: "الكفور الذي يأكل وحده، ويضرب عبده، ويمنع رفده" (٢).

ورواه ابن أبي حاتم، من طريق جعفر بن الزبير -وهو متروك-فهذا إسناد ضعيف. وقد رواه ابن جرير أيضا من حديث حريز بن عثمان، عن حمزة بن هانئ، عن أبي أمامة موقوفا (٣).

وقوله: (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ) قال قتادة وسفيان الثوري: وإن الله على ذلك لشهيد. ويحتمل أن يعود الضمير على الإنسان، قاله محمد بن كعب القرظي، فيكون تقديره: وإن الإنسان على كونه كنودا (٤) لشهيد، أي: بلسان حاله، أي: ظاهر ذلك عليه في أقواله وأفعاله، كما قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ [التوبة: ١٧]

وقوله: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) أي: وإنه لحب الخير -وهو: المال-لشديد. وفيه مذهبان:

أحدهما: أن المعنى: وإنه لشديد المحبة للمال.

والثاني: وإنه لحريص بخيل؛ من محبة المال. وكلاهما صحيح.

ثم قال تعالى مُزَهِّدا في الدنيا، ومُرَغِّبًا في الآخرة، ومنبهًا على ما هو كائن بعد هذه الحال، وما يستقبله الإنسان من الأهوال: (أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ) أي: أخرج ما فيها من الأموات.

﴿وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)

(وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) قال ابن عباس وغيره: يعني أبرز وأظهر ما كانوا يسرون في نفوسهم، (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) أي: لعالم بجميع ما كانوا يصنعون ويعملون، مجازيهم (٥) عليه أوفر الجزاء، ولا يظلم مثقال ذرة.

آخر [تفسير] (٦) سورة "والعاديات" ولله الحمد [والمنة، وحسبنا الله] (٧)


(١) مسند البزار برقم (٢٢٩١) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (٧/ ١٤٢): "فيه حفص بن جميع وهو ضعيف".
(٢) ورواه الطبري في تفسيره (٣٠/ ١٨٠) عن أبي كريب، به.
(٣) تفسير الطبري (٣٠/ ١٨٠).
(٤) في م: "لكنودا".
(٥) في أ: "ويجازيهم".
(٦) زيادة من م.
(٧) زيادة من م.