للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن جرير: الصواب أن "اللام" لام التعجب، كأنه يقول: اعجبوا لإيلاف قريش ونعمتي عليهم في ذلك. قال: وذلك لإجماع المسلمين على أنهما سورتان منفصلتان مستقلتان. (١)

ثم أرشدهم إلى شكر هذه النعمة العظيمة فقال: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) أي: فليوحدوه بالعبادة، كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٩١]

وقوله: (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) أي: هو رب البيت، وهو " الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ " أي: تفضل عليهم بالأمن والرخص (٢) فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدوا من دونه صنمًا ولا ندا ولا وثنًا. ولهذا من استجاب لهذا الأمر جَمَع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة، ومن عصاه سلبهما منه، كما قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [النحل: ١١٢ - ١١٣]

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن عمرو العَدَني، حدثنا قَبِيصة، حدثنا سفيان، عن ليث، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله يقول: "ويل أمكم، قريش، لإيلاف قريش" (٣) ثم قال:

حدثنا أبي، حدثنا المؤَمَّل بن الفضل الحراني، حدثنا عيسى -يعني ابن يونس-عن عُبَيد الله ابن أبي زياد، عن شهر بن حوشب، عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله يقول: "لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. ويحكم يا معشر قريش، اعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف".

هكذا رأيته عن أسامة بن زيد، وصوابه عن أسماء بنت يزيد بن السكن، أم سلمة الأنصارية، (٤) فلعله وقع غلط في النسخة أو في أصل الرواية، والله أعلم.

آخر تفسير سورة "لإيلاف قريش".


(١) تفسير الطبري (٣٠/ ١٩٨).
(٢) في أ: "والترخص".
(٣) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (٢٤/ ١٧٧، ١٧٨) من طريق قبيصة بن عقبة، عن سفيان، به.
(٤) وكذا في رواية الإمام أحمد في المسند (٦/ ٤٦٠) عن علي بن يحيى، عن عيسى بن يونس، عن عبد الله بن أبي زياد، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد عن النبي .