للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: "بعثت بالحنيفيَّة السمحة" (١).

وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره: حدثنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم، حدثنا يحيى ابن أبي طالب، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا أبو مسعود الجُرَيري، عن عبد الله بن شقيق، عن مِحْجَن بن الأدرع: أن رسول الله رأى رجلا يصلي فتراءاه ببصره (٢) ساعة، فقال: "أتراه يصلي صادقًا؟ " قال: قلت: يا رسول الله، هذا أكثر أهل المدينة صلاة، فقال رسول الله : "لا تُسْمِعْه فَتُهلِكَه". وقال: "إن الله إنما أراد بهذه الأمة اليُسْر، ولم يرد بهم العُسْر" (٣).

ومعنى قوله: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) أي: إنما أرْخَصَ لكم في الإفطار للمرض (٤) والسفر ونحوهما من الأعذار لإرادته بكم اليسر، وإنما أمركم بالقضاء لتكملوا عدّة شهركم.

وقوله: (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) أي: ولتذكروا الله عند انقضاء عبادتكم، كما قال: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: ٢٠٠] وقال: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ (٥) [النساء: ١٠٣]، ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: ١٠] وقال: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾ [ق: ٣٩، ٤٠]؛ ولهذا جاءت السنة باستحباب التسبيح، والتحميد والتكبير بعد الصلوات المكتوبات.

وقال ابن عباس: ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله إلا بالتكبير؛ ولهذا أخذ كثير من العلماء مشروعية التكبير في عيد الفطر من هذه الآية: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) حتى ذهب داود بن علي الأصبهاني الظاهري إلى وجوبه في عيد الفطر؛ لظاهر الأمر في قوله (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) وفي مقابلَته مذهبُ أبي حنيفة -أنه لا يُشْرَع التكبير في عيد الفطر. والباقون على استحبابه، على اختلاف في تفاصيل بعض الفروع بينهم.

وقوله: (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي: إذا قمتم بما أمركم الله من طاعته بأداء فرائضه، وترك محارمه، وحفظ حدوده، فلعلكم أن تكونوا من الشاكرين بذلك.

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن المغيرة، أخبرنا جرير، عن عبدة بن أبي برزة السِّجستاني (٦) عن الصُّلْب (٧) بن حَكيِم بن معاوية بن حيدة القشيري، عن أبيه، عن جده، أن


(١) صحيح البخاري برقم (٤٣٤١، ٤٣٤٢) وصحيح مسلم برقم (١٧٣٣).
(٢) في أ، و: "ببصره".
(٣) ورواه أحمد في المسند (٥/ ٣٢) من طريق حماد عن الجريري، عن عبد الله بن شقيق عن محجن نحوه.
(٤) في أ: "للمريض".
(٥) زيادة من جـ.
(٦) في جـ، أ، و: "السختياني".
(٧) في جـ: "الصلت".