للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذه رُخْصة من الله تعالى للمسلمين، ورَفْع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك، فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة. فوجدوا من ذلك مَشَقة كبيرة. والرفث هنا هو: الجماع. قاله (١) ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وطاوس، وسالم بن عبد الله، وعَمْرو بن دينار (٢) والحسن، وقتادة، والزهري، والضحاك، وإبراهيم النَّخَعي، والسّدي، وعطاء الخراساني، ومقاتل بن حيان.

وقوله: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جُبَير، والحسن، وقتادة، والسدي، ومقاتل بن حيان: يعني هن سَكَن لكم، وأنتم سكن لهن.

وقال الربيع بن أنس: هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن.

وحاصله أنّ الرجل والمرأة كل منهما يخالط الآخر ويُمَاسه ويضاجعه، فناسب أن يُرَخَّص لهم في المجامعة في ليل رمضانَ، لئلا يشقّ ذلك عليهم، ويحرجوا، قال الشاعر (٣)

إذا ما الضجيع ثَنَى جيدها … ... … تَدَاعَتْ فكانت عليه لباسا

وكان السبب في نزول هذه الآية كما تقدم في حديث معاذ الطويلِ، وقال أبو إسحاق عن البراء بن عازب قال: كان أصحاب النبي إذا كان الرجل صائمًا فنام قبل أن يفطر، لم يأكل إلى مثلها، وإن قَيْس بن صِرْمة (٤) الأنصاري كان صائمًا، وكان يومه ذاك يعمل في أرضه، فلما حَضَر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام؟ قالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك. فغلبته عينُه فنام، وجاءت امرأته، فلما رأته نائما قالت: خيبة لك! أنمت؟ فلما انتصف النهار غُشي عليه، فذكر ذلك للنبي ، فنزلت هذه الآية: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) إلى قوله: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) ففرحوا بها فرحًا شديدًا (٥).

ولفظ البخاري هاهنا من طريق أبي إسحاق: سمعت البراء قال: لما نزل صومُ رمضان كانوا لا


(١) في أ: "كما قال".
(٢) في جـ: "بن يسار".
(٣) هو النابغة الجعدي، والبيت في تفسير الطبري (٣/ ٤٩٠).
(٤) في و: "قيس بن أبي صرمة".
(٥) هذا اللفظ رواه الطبري في تفسيره (٣/ ٤٩٥).