للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الاعتكاف في الصيام، أو في آخر (١) شهر الصيام، كما ثبتت السنة عن رسول الله : أنه كان يعتكف العشرَ الأواخر من شهر رمضان، حتى توفاه الله، ﷿. ثم اعتكف أزواجُه من بعده. أخرجاه من حديث عائشة أم المؤمنين، (٢)، وفي الصحيحين أن صَفيَّة بنت حُيي كانت (٣) تزور النبي وهو معتكف في المسجد، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت لترجع إلى منزلها -وكان ذلك ليلا -فقام النبي ليمشي معها حتى تبلغ دارها، وكان منزلها في دار أسامة بن زيد في جانب المدينة، فلما كان ببعض الطريق لقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي أسرعا -وفي رواية: تواريا-أي حياء من النبي لكون أهله معه (٤)، فقال لهما النبي : "على رِسْلكما إنها صفية بنت حيي" أي: لا تسرعا، واعلما أنها صفية بنت حيي، أي: زوجتي. فقالا سبحان الله يا رسول الله، فقال : "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا" أو قال: "شرًّا" (٥).

قال الشافعي، : أراد، ، أنْ يعلم أمّته التبري من التُّهْمَة في محلها، لئلا يقعا في محذور، وهما كانا أتقى لله أن يظنا بالنبي شيئًا. والله أعلم.

ثم المراد بالمباشرة: إنما هو الجماع ودواعيه من تقبيل، ومعانقة ونحو ذلك، فأما معاطاة الشيء ونحوه فلا بأس به؛ فقد ثبت في الصحيحين، عن عائشة، ، أنها قالت: كان رسول الله يُدْني إليّ رأسه فأرجِّلُه وأنا حائض، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان. قالت عائشة: ولقد كان المريضُ يكون في البيت فما أسأل عنه إلا وأنا مارة (٦).

وقوله: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) أي: هذا الذي بيناه، وفرضناه، وحددناه من الصيام، وأحكامه، وما أبحنا فيه وما حرّمنا، وذِكْر (٧) غاياته ورخصه وعزائمه، حدود الله، أي: شرعها الله وبيَّنها بنفسه (فَلا تَقْرَبُوهَا) أي: لا تجاوزوها، وتعتدوها (٨).

وكان الضحاك ومقاتل يقولان في قوله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) أي: المباشرة في الاعتكاف.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني هذه الحدود الأربعة، ويقرأ (٩) (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) حتى بلغ: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) قال: وكان أبي وغيره من مَشْيَختنا (١٠) يقولون هذا ويتلونه علينا.

(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ) أي: كما بين الصيام وأحكامه وشرائعه وتفاصيله، كذلك يبين سائر الأحكام على لسان عبده ورسوله محمد (لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي: يَعْرفون كيف يهتدون، وكيف يطيعون كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ](١١). [الحديد: ٩].


(١) في أ، و: "أو في أواخر".
(٢) صحيح البخاري برقم (٢٠٣٣) وصحيح مسلم برقم (١١٧٢) واللفظ لمسلم.
(٣) في جـ، أ: "جاءت".
(٤) في جـ: "معه أهله".
(٥) صحيح البخاري برقم (٢٠٣٥، ٦٢١٩) وصحيح مسلم برقم (٢١٧٥) من حديث صفية .
(٦) صحيح البخاري برقم (٢٠٢٩) وصحيح مسلم برقم (٢٩٧).
(٧) في جـ: "وذكرنا".
(٨) في جـ: "تتجاوزوها أو تعتدوها".
(٩) في جـ: "ويقول".
(١٠) في أ: "من مشايخنا".
(١١) زيادة من و، وفي جـ، ط، أ، هـ: "الآية".