للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رواه أبو داود، والترمذي وابن ماجه (١). ولكن مظاهر هذا ضعيف بالكلية. وقال الحافظ الدارقطني وغيره: الصحيحُ أنه من قول القاسم بن محمد نفسه.

ورواه ابن ماجه من طريق عطية العَوْفِي عن ابن عمر مرفوعًا (٢). قال الدارقطني: والصحيح ما رواه سالم ونافع، عن ابن عمر قوله. وهكذا رُوي عن عمر بن الخطاب. قالوا: ولم يعرف بين الصحابة خلاف. وقال بعض السلف: بل عدتها كعدة الحرة لعموم الآية؛ ولأن هذا أمر جِبِلي (٣) فكان الإماء والحرائر (٤) في هذا سواء، والله أعلم، حكى هذا القول الشيخُ أبو عمر بن عبد البر، عن محمد بن سيرين وبعض أهل الظاهر، وضعفه.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو اليمان، حدثنا إسماعيل -يعني ابن عَيّاش (٥) -عن عمرو بن مهاجر، عن أبيه: أن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية قالت: طُلّقت على عهد رسول الله ، ولم يكن للمطلقة عدة، فأنزل الله، ﷿، حين طلقت أسماء العدة للطلاق، فكانت أول من نزلت فيها العدة للطلاق، يعني: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (٦).

هذا حديث غريب من هذا الوجه.

وقد اختلف السلف والخلف والأئمة في المراد بالأقْرَاء ما هو (٧)؟ على قولين:

أحدهما: أن المراد بها: الأطهار، وقال مالك في الموطأ عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: انتقلت حفصة بنتُ عبد الرحمن بن أبي بكر، حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة، قال الزهري: فذكرتُ ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن، فقالت: صدق عروة. وقد جادلها في ذلك ناس فقالوا: إن الله تعالى يقول في كتابه: " ثلاثة قروء " فقالت عائشة: صدقتم، وتدرون ما الأقراءُ؟ إنما الأقراء: الأطهارُ (٨).

وقال مالك: عن ابن شهاب، سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول: ما أدركت أحدًا من فقهائنا إلا وهو يقول ذلك، يريد قول عائشة. وقال مالك: عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد بَرئت منه وبرئ منها. وقال مالك: وهو الأمر عندنا. ورُوي مثله عن ابن عباس وزيد بن ثابت، وسالم، والقاسم، وعروة، وسليمان بن يسار، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبان بن عثمان، وعطاء ابن أبي رباح، وقتادة، والزهري، وبقية الفقهاء السبعة، وهو مذهب مالك، والشافعي [وغير واحد، وداود وأبي ثور، وهو رواية عن أحمد، واستدلوا عليه بقوله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١] أي: في الأطهار. ولما كان الطهر الذي يطلق فيه محتسبًا، دل على أنه أحد الأقراء الثلاثة المأمور بها؛ ولهذا قال هؤلاء: إن المعتدة


(١) سنن أبي داود برقم (٢١٨٩) وسنن الترمذي برقم (١١٨٢) وسنن ابن ماجة برقم (٢٠٨٠).
(٢) سنن ابن ماجة برقم (٢٠٧٩).
(٣) في جـ: "جلي".
(٤) في جـ: "الأحرار والإماء".
(٥) في أ: "ابن عباس".
(٦) ورواه أبو داود في السنن برقم (٢٢٨١) من طريق يحيى بن صالح، عن إسماعيل بن عياش به.
(٧) في أ: "ما هي".
(٨) الموطأ (٢/ ٥٧٧).