للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا) لا تقل لها: إني عاشق، وعاهديني ألا تتزوجي غيري، ونحو هذا. وكذا رُوي عن سعيد بن جُبير، والشعبي، وعكرمة، وأبي الضحى، والضحاك، والزهري، ومجاهد، والثوري: هو أن يأخذ ميثاقها ألا تتزوج غيره، وعن مجاهد: هو قول الرجل للمرأة: لا تفوتيني بنفسك، فإني ناكحك.

وقال قتادة: هو أن يأخذ عهد المرأة، وهي في عدتها ألا تنكح غيره، فنهى الله عن ذلك وقدم فيه، وأحل الخطبة والقول بالمعروف.

وقال ابن زيد: (وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا) هو أن يتزوجها في العدة سرًا، فإذا حلت أظهر ذلك.

وقد يحتمل أن تكون الآية عامة في جميع ذلك؛ ولهذا قال: (إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا) قال (١) ابن عباس، ومجاهد وسعيد بن جبير، والسدي، والثوري، وابن زيد: يعني به: ما تقدم من إباحة التعريض. كقوله: إني فيك لراغب. ونحو ذلك.

وقال محمد بن سيرين: قلت لعَبِيدة: ما معنى قوله: (إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا)؟ قال: يقول لوليها: لا تسبِقْني بها، يعني: لا تزوجها حتى تُعلمني. رواه ابن أبي حاتم.

وقوله: (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) يعني: ولا تعقدوا العقد بالنكاح حتى تنقضي العدة. قال ابن عباس، ومجاهد، والشعبي، وقتادة، والربيع بن أنس، وأبو مالك، وزيد بن أسلم، ومقاتل بن حيان، والزهري، وعطاء الخراساني، والسدي، والثوري، والضحاك: (حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) يعني: حتى تنقضي العدة.

وقد أجمع العلماء على أنه لا يصح العقد في مدة العدة. واختلفوا فيمن تزوج امرأة في عدتها فدخل بها، فإنه يفرق بينهما، وهل تحرم عليه أبدا؟ على قولين: الجمهور على أنها لا تحرم عليه، بل له أن يخطبها إذا انقضت عدتها. وذهب الإمام مالك إلى أنها تحرم عليه على التأبيد. واحتج في ذلك بما رواه عن ابن شهاب، وسليمان بن يسار: أن عمر، ، قال: أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن زوجها الذي تزوجها (٢) لم يدخل بها، فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم كان الآخر خاطبا من الخطاب، وإن كان دخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول (٣) ثم اعتدت من الآخر، ثم لم ينكحها أبدًا (٤).

قالوا: ومأخذ هذا: أن الزوج لما استعجل ما أجل الله، عوقب بنقيض قصده، فحرمت عليه على التأبيد، كالقاتل يحرم (٥) الميراثَ. وقد روى الشافعي هذا الأثر عن مالك. قال البيهقي: وذهب إليه في القديم ورجع عنه في الجديد، لقول علي: إنها تحل له.

قلت: ثم هو (٦) منقطع عن عمر. وقد روى الثوري، عن أشعث، عن الشعبي، عن مسروق:


(١) في جـ: "وقال".
(٢) في جـ، أ، و: "زوجها التي تزوج بها".
(٣) في جـ: "من زوجها الأول".
(٤) الموطأ (٢/ ٥٣٥).
(٥) في جـ: "يحرم عليه".
(٦) في جـ: "قلت وهو".