للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

طريق أخرى عن حفصة: قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن عبد الله بن يزيد الأزدي، عن سالم بن عبد الله: أن حفصة أمرت إنساناً أن يكتب لها مصحفا، فقالت: إذا بلغت هذه الآية: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى) فآذني. فلما بلغ آذنها فقالت: اكتب: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر" (١).

طريق أخرى: قال ابن جرير: حدثني ابن المثنى عبد الوهاب، حدثنا عبيد الله، عن نافع، أن حفصة أمرت مولى لها أن يكتب لها مصحفا فقالت: إذا بلغت هذه الآية: " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " فلا تكتبها حتى أمليها عليك كما سمعت رسول الله يقرأها. فلما بلغها أمرته فكتبها: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين". قال نافع: فقرأت ذلك المصحف فرأيت فيه "الواو" (٢).

وكذا روى ابن جرير، عن ابن عباس وعبيد بن عمير أنهما قرآ كذلك.

وقال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا عبدة، حدثنا محمد بن عمرو، حدثني أبو سلمة، عن عمرو بن رافع مولى عمر قال: كان في مصحف حفصة: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين" (٣). وتقرير المعارضة أنه عطف صلاة العصر على الصلاة الوسطى بواو العطف التي تقتضي المغايرة، فدل ذلك على أنها غيرها وأجيب عن ذلك بوجوه: أحدها أن هذا إن روي على أنه خبر، فحديث علي أصح وأصرح منه، وهذا يحتمل أن تكون الواو زائدة، كما في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: ٥٥]، ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: ٧٥]، أو تكون لعطف الصفات لا لعطف الذوات، كقوله: ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: ٤٠]، وكقوله: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ [الأعلى ١ - ٤] وأشباه ذلك كثيرة، وقال الشاعر:

إلى الملك القرم وابن الهمام … وليث الكتيبة في المزدحم

وقال أبو دؤاد الإيادي:

سلط الموت والمنون عليهم … فلهم في صدى المقابر هام (٤)

والموت هو المنون؛ قال عدي بن زيد العبادي:

فقدمت الأديم لراهشيه … فألفى قولها كذبا ومينا (٥)

والكذب: هو المين، وقد نص سيبويه شيخ النحاة على جواز قول القائل: مررت بأخيك وصاحبك، ويكون الصاحب هو الأخ نفسه، والله أعلم.


(١) تفسير الطبري (٥/ ٢٠٨، ٢٠٩).
(٢) تفسير الطبري (٥/ ٢٠٩).
(٣) تفسير الطبري (٥/ ٢١١).
(٤) البيت في لسان العرب لابن منظور، مادة "منن".
(٥) البيت في لسان العرب لابن منظور، مادة "مين".