للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانوا أهل قرية يقال لها: داوردان. وكذا قال السدي وأبو صالح وزاد: من قبل واسط. وقال سعيد بن عبد العزيز: كانوا من أهل أذرعات، وقال ابن جريج عن عطاء قال: هذا مثل. وقال علي بن عاصم: كانوا: من أهل داوردان: قرية على فرسخ من واسط.

وقال وكيع بن الجراح في تفسيره: حدثنا سفيان عن ميسرة بن حبيب النهدي، عن المنهال بن عمرو الأسدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارًا من الطاعون قالوا: نأتي أرضًا ليس بها (١) موت حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال الله لهم (٢) موتوا فماتوا فمر عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم فأحياهم، فذلك قوله ﷿: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) الآية.

وذكر غير واحد من السلف أن هؤلاء القوم كانوا أهل بلدة في زمان بني إسرائيل استوخموا (٣) أرضهم وأصابهم بها وباء شديد فخرجوا فرارًا من الموت إلى البرية، فنزلوا واديًا أفيح، فملأوا ما بين عدوتيه فأرسل الله إليهم ملكين أحدهما من أسفل الوادي والآخر من أعلاه فصاحا بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم موتة رجل واحد فحيزوا إلى حظائر وبني عليهم جدران وقبور [وفنوا] (٤) وتمزقوا وتفرقوا فلما كان بعد دهر مَرّ بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له: حزقيل فسأل الله أن يحييهم على يديه فأجابه إلى ذلك وأمره أن يقول: أيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعي فاجتمع عظام كل جسد بعضها إلى بعض، ثم أمره فنادى: أيتها العظام إن الله يأمرك بأن تكتسي لحمًا وعصبًا وجلدًا. فكان ذلك، وهو يشاهده ثم أمره فنادى: أيتها الأرواح إن الله يأمرك أن ترجع كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره. فقاموا أحياء ينظرون قد أحياهم الله بعد رقدتهم الطويلة، وهم يقولون: سبحانك [اللهم ربنا وبحمدك] (٥) لا إله إلا أنت.

وكان في إحيائهم عبرة ودليل قاطع على وقوع المعاد الجسماني يوم القيامة ولهذا قال: (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) أي: فيما يريهم من الآيات الباهرة والحجج والدلالات الدامغة، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) أي: لا يقومون بشكر ما أنعم الله به عليهم في دينهم ودنياهم.

وفي هذه القصة عبرة ودليل على أنه لن يغني حذر من قدر وأنه، لا ملجأ من الله إلا إليه، فإن هؤلاء فروا (٦) من الوباء طلبًا (٧) لطول الحياة فعوملوا بنقيض قصدهم وجاءهم الموت سريعًا في آن واحد.

ومن هذا القبيل الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى أخبرنا مالك وعبد الرزاق أخبرنا معمر كلاهما عن الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد [ابن أسلم] (٨) بن الخطاب عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس: أن عمر بن


(١) في جـ: "ليس فيها".
(٢) في جـ: "قال لهم الله".
(٣) في جـ: "فاستوخموا".
(٤) زيادة من أ،
و (٥) زيادة من أ.
(٦) في أ، و: "خرجوا فرارا".
(٧) في أ، و: "وطلبا".
(٨) زيادة من جـ.