للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على العالمين. فرفع المسلم يده فلطم بها وجه اليهودي فقال: أي خبيث وعلى محمد ! فجاء اليهودي إلى رسول الله فاشتكى على المسلم فقال رسول الله : "لا تفضلوني على الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور؟ فلا تفضلوني على الأنبياء" (١) وفي رواية: "لا تفضلوا بين الأنبياء".

فالجواب من وجوه:

أحدها: أن هذا كان قبل أن يعلم بالتفضيل وفي هذا نظر.

الثاني: أن هذا قاله من باب الهضم والتواضع.

الثالث: أن هذا نهي عن التفضيل في مثل هذه الحال التي تحاكموا فيها عند التخاصم والتشاجر.

الرابع: لا تفضلوا بمجرد الآراء والعصبية.

الخامس: ليس مقام التفضيل إليكم وإنما هو إلى الله ﷿ وعليكم الانقياد والتسليم له والإيمان به.

وقوله: (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ) أي: الحجج والدلائل القاطعات على صحة ما جاء بني إسرائيل به، من أنه عبد الله ورسوله إليهم (وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) يعني: أن الله أيده بجبريل ثم قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا) أي: بل كل ذلك عن قضاء الله وقدره؛ ولهذا قال: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)

يأمر تعالى عباده بالإنفاق مما رزقهم في سبيله سبيل الخير ليدخروا ثواب ذلك عند ربهم ومليكهم وليبادروا إلى ذلك في هذه الحياة الدنيا (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) يعني: يوم القيامة (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ) أي: لا يباع أحد من نفسه ولا يفادى بمال لو بذله، ولو جاء بملء الأرض ذهبًا ولا تنفعه خلة أحد، يعني: صداقته بل ولا نسابته كما قال: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠١] (وَلا شَفَاعَةٌ) أي: ولا تنفعهم شفاعة الشافعين.

وقوله: (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) مبتدأ محصور في خبره أي: ولا ظالم أظلم ممن وافى الله يومئذ كافرا. وقد روى ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار أنه (٢) قال: الحمد لله الذي قال: (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ولم يقل: والظالمون هم الكافرون.


(١) صحيح البخاري برقم (٣٤٠٨) وصحيح مسلم برقم (٢٣٧٣).
(٢) في جـ: "به".