للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في قول الله: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُم) يعني: أشهدوا على حقكم إذا كان فيه أجل أو لم يكن، فأشهدوا على حقكم على كل حال. قال: وروي عن جابر بن زيد، ومجاهد، وعطاء، والضحاك، نحو ذلك.

وقال الشعبي والحسن: هذا الأمر منسوخ بقوله: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾

وهذا الأمر محمول عند الجمهور على الإرشاد والندب، لا على الوجوب. والدليل على ذلك حديث خُزَيمة بن ثابت الأنصاري، وقد رواه الإمام أحمد:

حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، حدثني عمَارة بن خزيمة الأنصاري، أن عمه حدثه -وهو من أصحاب النبي أن النبي ابتاع فرسًا من أعرابي، فاستتبعه النبي ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع النبي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس، ولا يشعرون أن النبي ابتاعه، حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه النبي ، فنادى الأعرابي النبي فقال: إن كنت مبتاعًا هذا الفرس فابتَعْه، وإلا بعتُه، فقام النبي حين سمع نداء الأعرابي، قال: "أو ليس قد ابتعته منك؟ " قال الأعرابي: لا والله ما بعتك. فقال النبي : "بل (١) قد ابتعته منك". فطفق الناس يلوذون بالنبي والأعرابي وهما يتراجعان، فطفق الأعرابي يقول: هَلُم شهيدًا يشهد أني بايعتك. فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي: ويلك! إن النبي (٢) لم يكن يقول إلا حقًا. حتى جاء خزَيْمة، فاستمع لمراجعة النبي ومراجعة الأعرابي يقول (٣) هلم شهيدًا يشهد أني (٤) بايعتك. قال خزيمة: أنا أشهد أنك قد بايعته. فأقبل النبي على خزيمة فقال: "بم تشهد؟ " فقال: بتصديقك يا رسول الله. فجعل رسولُ الله شهادة خُزَيمة بشهادة رجلين.

وهكذا رواه أبو داود من حديث شعيب، والنسائي من رواية محمد بن الوليد الزبيري (٥) كلاهما عن الزهري، به (٦) نحوه.

ولكن الاحتياط هو الإشهاد، لما رواه الإمامان الحافظ أبو بكر بن مَرْدُويه والحاكم في مستدركه من رواية معاذ بن معاذ العنبري، عن شعبة، عن فراس، عن الشعبي، عن أبي بُرْدة، عن أبي موسى، عن النبي قال: "ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: رجل له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل دفع مال يتيم قبل أن يبلغ، ورجل أقرض رجلا مالا فلم يُشْهد".

ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط الشيخين، قال: ولم يخرجاه، لتوقيف أصحاب شعبة هذا الحديث على أبي موسى، وإنما أجمعوا على سند حديث شعبة بهذا الإسناد: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين" (٧).

وقوله: (وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) قيل: معناه: لا يضار الكاتب ولا الشاهد، فيكتب هذا خلاف ما يملي، ويشهد هذا بخلاف ما سمع أو يكتمها بالكلية، وهو قول الحسن وقتادة وغيرهما.

وقيل: معناه: لا يضر بهما، كما قال ابن أبي حاتم:


(١) في ج: "بلى".
(٢) في و: "إن رسول الله".
(٣) في جـ، أ، و: "وطفق الأعرابي يقول".
(٤) في و: "أني قد".
(٥) في جـ: "الزبيدي".
(٦) المسند (٥/ ٢١٣) وسنن أبي داود برقم (٣٦٠٧) وسنن النسائي (٧/ ٣٠١).
(٧) المستدرك (٢/ ٣٠٢).