للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذي يرجع إليه عند الاشتباه (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) أي: تحتمل (١) دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل (٢) شيئًا آخر من حيث اللفظ والتركيب، لا من حيث المراد.

وقد اختلفوا في المحكم والمتشابه، فروي عن السلف عبارات كثيرة، فقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس [أنه قال] (٣) المحكمات ناسخه، وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وما يؤمر (٤) به ويعمل به.

وكذا روي عن عكرمة، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، ومُقاتل بن حَيّان، والربيع بن أنس، والسُّدِّي أنهم قالوا: المحكم الذي يعمل به.

وعن ابن عباس أيضًا أنه قال: المحكمات [في] (٥) قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [الأنعام: ١٥١] والآيتان بعدها، وقوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: ٢٣] إلى ثلاث آيات بعدها. رواه ابن أبي حاتم، وحكاه عن سعيد بن جُبَيْر [ثم] (٦) قال: حدثنا أبي، حدثنا سليمان بن حرب، حدّثنا حماد بن زيد، عن إسحاق بن سُوَيْد أن يحيى بن يَعْمَر وأبا فاختة تراجعا في هذه الآية: (هُنَّ (٧) أُمُّ الْكِتَابِ) فقال أبو فاختة: فواتح السور. وقال يحيى بن يَعْمَر: الفرائض، والأمر والنهي، والحلال والحرام (٨).

وقال ابن لَهِيعَة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير: (هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) يقول: أصل الكتاب، وإنما سماهن أم الكتاب؛ لأنهن مكتوبات في جميع الكتب.

وقال مقاتل بن حيان: لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهنّ.

وقيل في المتشابهات: إنهن المنسوخة، والمقدم منه والمؤخر، والأمثال فيه والأقسام، وما يؤمن به ولا يعمل به. رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.

وقيل: هي الحروف المقطعة في أوائل السور، قاله مقاتل بن حيان.

وعن مجاهد: المتشابهات يصدق بعضهن بعضًا. وهذا إنما هو في تفسير قوله: ﴿كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ [الزمر: ٢٣] هناك ذكروا: أن المتشابه هو الكلام الذي يكون في سياق واحد، والمثاني هو الكلام في شيئين متقابلين كصفة الجنة وصفة النار، وذكر حال الأبرار ثم حال (٩) الفجار، ونحو ذلك فأما هاهنا فالمتشابه هو الذي يقابل المحكم.

وأحسن ما قيل فيه الذي قدمناه، وهو الذي نص عليه محمد بن إسحاق بن يسار، ، حيث قال: (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) فيهن حجة الرب، وعصمة العباد، ودفع الخصوم والباطل، ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وضعن (١٠) عليه.

قال: والمتشابهات في الصدق، لهن تصريف وتحريف وتأويل، ابتلى الله فيهن العباد، كما ابتلاهم في الحلال والحرام ألا (١١) يصرفن إلى الباطل، ولا يحرّفن عن الحق.


(١) في أ، ر: "يحتمل".
(٢) في أ، ر: "يحتمل".
(٣) زيادة من جـ، ر، أ، و.
(٤) في جـ، ر: "يؤمن".
(٥) زيادة من جـ، ر.
(٦) زيادة من أ، و.
(٧) في ر: "هي".
(٨) تفسير ابن أبي حاتم (٢/ ٥٥).
(٩) في و: "وحال".
(١٠) في أ: "وصفن".
(١١) في جـ: "لا".