للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالتأويل هذا، فالوقف على الجلالة؛ لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجلية إلا الله ﷿، ويكون قوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) مبتدأ و (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) خبره. وأما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر (١) وهو التفسير والتعبير والبيان عن الشيء كقوله تعالى: ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ [يوسف: ٣٦] أي: بتفسيره، فإن أريد به هذا المعنى، فالوقف على: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علمًا بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه، وعلى هذا فيكون قوله: (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) حالا (٢) منهم، وساغ هذا، وهو أن يكون من المعطوف دون المعطوف عليه، كقوله: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ﴾ إلى قوله: (٣) ﴿[وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ] يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا [الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ]﴾ الآية [الحشر: ٨ - ١٠]، وكقوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر: ٢٢] أي: وجاءت الملائكة صفوفًا صفوفًا.

وقوله إخبارًا عنهم أنهم (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) أي: بالمتشابه (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) أي: الجميع من المحكم والمتشابه حق وصدق، وكل واحد منهما يصدق الآخر ويشهد له؛ لأن الجميع من عند الله وليس شيء من عند الله بمختلف ولا متضاد لقوله: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢] ولهذا قال تعالى: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ) أي: إنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها أولو العقول السليمة والفهوم المستقيمة.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحِمْصَيّ، حدثنا نُعَيْم بن حماد، حدثنا فياض الرَّقِّيّ، حدّثنا عبد الله (٤) بن يزيد -وكان قد أدرك أصحاب النبي : أنسًا، وأبا أمامة، وأبا الدرداء، ، قال: حدثنا أبو الدرداء، أن رسول الله سئل عن الراسخين في العلم، فقال: "من بَرَّت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، ومن أَعَفَّ (٥) بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم" (٦).

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر، عن الزهري، عن عمر بن شعيب عن أبيه، عن جده قال: سمع رسول الله قومًا يتدارءون فقال: "إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما أنزل (٧) كتاب الله ليصدق بعضه بعضًا، فلا تكذبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه فقولوا، وما جهلتم فَكِلُوهُ إلى عَالِمِه" (٨).


(١) في أ: "الأخير".
(٢) في ر: "حال" وهو خطأ.
(٣) زيادة من أ، و.
(٤) في و: "عبيد الله".
(٥) في أ، و: "عف".
(٦) تفسير ابن أبي حاتم (٢/ ٧٢) ورواه الطبري (٦/ ٢٠٧) والطبراني في الكبير كما في الدر (٢/ ١٥١) من طريق عبد الله بن يزيد به. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٦/ ٣٢٤): "عبد الله بن يزيد ضعيف".
(٧) في جـ، ر، أ، و: "نزل".
(٨) المسند (٢/ ١٨٥) ورواه ابن ماجة برقم (٨٥) والبغوي في شرح السنة (١/ ٢٦٠) من طريق عمرو بن شعيب به. وقال البوصيري في "زوائد ابن ماجة" (١/ ٥٨): "إسناده صحيح ورجاله ثقات".