للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) هذا تفسير للإجابة، أي قال لهم مُجِيبًا (١) لهم: أنه لا يضيع عمل عامل لديه، بل يُوَفّي كل عامل بقسط عمله، من ذكر أو أنثى.

وقوله: (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي: جميعكم في ثوابي سَواء (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا) أي: تركوا دار الشِّرك وأتَوا إلى دار الإيمان وفارقوا الأحباب والخلان والإخوان والجيران، (وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ) أي: ضايقهم المشركون بالأذى حتى ألجؤوهم إلى الخروج من بين أظهرهم؛ ولهذا قال: (وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي) أي: إنما كان ذنْبُهم إلى الناس أنهم آمنوا بالله وحده، كما قال تعالى: ﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ﴾ [الممتحنة: ١]. وقال تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [البروج: ٨].

وقوله: (وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا) وهذا أعلى المقامات أن يقاتل في سبيل الله، فيُعْقَر جَواده، ويعفَّر وجهه بدمه وترابه، وقد ثبت في الصحيح أن رجلا قال: يا رسول الله، أرأيت إن قُتلت في سبيل الله صابرا مُحْتَسبا مُقْبلا غير مُدبِر، أيُكَفِّر الله عني خطاياي؟ قال: "نعم" ثم قال: "كيف قلت؟ ": فأعاد عليه (٢) ما قال، فقال: "نعم، إلا الدَّين، قاله لي جبريل آنفًا".

ولهذا قال تعالى: (لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ) أي: تجري في خلالها الأنهار من أنواع المشارب، من لبن وعسل وخمر وماء غير آسن وغير ذلك، مما لا عَيْنَ رَأتْ، ولا أذن سَمِعت، ولا خَطَر على قلب بَشَر.

وقوله: (ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أضافه إليه ونسبه إليه لِيدل على أنه عظيم؛ لأن العظيم الكريم لا يعطي إلا جَزيلا كثيرًا، كما قال الشاعر:

إن يُعَذب يَكُن غَرامًا وإن يُعْ … طِ جَزيلا فإنَّه لا يُبَالي

وقوله: (وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) أي: عنده حُسْن الجزاء لمن عمل صالحا.

قال ابن أبي حاتم: ذكر عن دُحَيم بن إبراهيم: حدثنا الوليد بن مسلم، أخبرني حَرِيز (٣) بن عثمان: أن شداد بن أوس كان يقول: يا أيها الناس، لا تَتهِموا الله في قضائه، فإنه (٤) لا يبغي على مؤمن، فإذا نزل بأحدكم شيء مما يُحِب فليحْمَد الله، وإذا أنزل (٥) به شيء مما يكره فَليَصْبر وليحتسب، فإن الله عنده حسن الثواب.


(١) في جـ، ر، أ، و: "مخبرا".
(٢) في أ، و: "قال: فأعاد عليه".
(٣) في جـ، ر: "جرير".
(٤) في أ: "فإن الله"، وفي و: "فالله".
(٥) في جـ، ر، أ: "نزل".