للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفي قراءة القرآن ودرسه، وأنه لا يحل لأحد أن يقرأ الكهف قبل البقرة، ولا الحج قبل (١) الكهف، ألا ترى إلى قول عائشة: ولا يضرك أيه قرأت قبل. وقد كان النبي يقرأ في الصلاة السورة في ركعة، ثم يقرأ في الركعة الأخرى بغير السورة التي تليها.

وأما ما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا (٢). وقالا إنما ذلك منكوس القلب، فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة منكوسةً فيبتدئ بآخرها إلى أولها، فإن ذلك حرام محذور.

ثم قال البخاري: حدثنا آدم، عن شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال: سمعت ابن مسعود يقول في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادى (٣). انفرد البخاري بإخراجه والمراد منه ذكر ترتيب هذه السور في مصحف ابن مسعود كالمصاحف العثمانية، وقوله: "من العتاق الأول" أي: من قديم ما نزل، وقوله: "وهن من تلادى" أي: من قديم ما قنيت وحفظت. والتالد في لغتهم: قديم المال والمتاع، والطارف حديثه وجديده، والله أعلم.

وحدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، حدثنا أبو إسحاق: سمع البراء بن عازب يقول: تعلمت ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ قبل أن يقدم النبي (٤). وهذا متفق عليه، وهو قطعة من حديث الهجرة، والمراد منه أن ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ مكية نزلت قبل الهجرة، والله أعلم.

ثم قال: حدثنا عبْدَان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن شقيق قال: قال عبد الله: لقد علمت النظائر التي (٥) كان النبي يقرأهن اثنين اثنين في كل ركعة، فقام عبد الله ودخل معه علقمة، وخرج علقمة فسألناه فقال: عشرون سورة من أول المفصل على تأليف ابن مسعود، آخرهن من الحواميم حم الدخان وعم يتساءلون.

وهذا التأليف الذي عن ابن مسعود غريب مخالف لتأليف عثمان، ، فإن المفصل في مصحف عثمان، ، من سورة الحجرات إلى آخره وسورة الدخان، لا تدخل فيه بوجه، والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد:

حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، عن عثمان بن عبد الله ابن أوس الثقفي عن جده أوس بن حذيفة قال: كنت في الوفد الذين أتوا النبي فذكر حديثا فيه: أن رسول الله كان يسمر معهم بعد العشاء فمكث عنا ليلة لم يأتنا، حتى طال ذلك علينا بعد العشاء. قال: قلنا: ما أمكثك عنا يا رسول الله؟ قال: "طرأ عَلَيَّ حزب من القرآن، فأردت ألا أخرج حتى أقضيه ". قال: فسألنا أصحاب رسول الله حين أصبحنا، قال: قلنا: كيف تحزبون القرآن؟


(١) في ط، جـ: "بعد".
(٢) في جـ: "مقلوبا".
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٩٩٤).
(٤) صحيح البخاري برقم (٤٩٩٥).
(٥) في ط: "الذي".