رأيت ما هو أهم من ذلك، وهو تبيين الأحاديث المشتهرة على ألسنة العوام وكثير من الفقهاء الذين لا معرفة لهم بالحديث، وهي إما أن يكون لها أصل يتعذر الوقوف عليه لغرابة موضعه، أو لذكره في غير مِظنته، وربما نفاه بعضهم لعدم اطلاعه عليه، والنافي له كمن نفى أصلا من الدين، وضل عن طريقه المبين، وأما لا أصل له البتة، فالناقل لها يدخل تحت ما رواه البخاري في ثلاثياته من قوله صلى الله عليه وسلم " من نقل عني ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار " انتهى.
ثم نَقل فيها بسنده إلى أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" هلاك أمتي في ثلاث: في القدرية، والعصبية، والرواية من غير تثبت " لكنه منكر، وبسنده أيضا إلى ابن المبارك أنه قيل له في هذه الأحاديث الموضوعة فقال: يعيش لها الجهابذة، وبسنده إلى الإمام أحمد أنه قال: إن للناس في أرباضهم وعلى باب دورهم أحاديث يتحدثون بها عن النبي صلى الله عليه وسلم لم نسمع نحن بشئ منها، ولذلك وجبت العناية بما وصل العلم إليه، ووقع الاطلاع عليه
قال الربيع بن خيثم إن للحديث ضوءا كضوء النهار يعرف، وظلمة كظلمة الليل تنكر وقال ابن الجوزي: الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب، وينفر منه قلبه في الغالب وروى أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة رفعه " إن لله تعالى عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا من أوليائه يذب عن دينه " انتهى.
وإن من أعظم ما صنف في هذا الغرض، وأجمع ما ميز فيه السالم من العلة والمرض الكتاب المسمى بالمقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة المنسوب للإمام الحافظ الشهير أبي الخير شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي لكنه مشتمل على طول بسوق الأسانيد التي ليس لها كبير فائدة إلا للعالم الحاوي ومن ثم لخصته في هذا الكتاب مقتصرا على مخرج الحديث وصحابيه روما للاختصار غير مخل إن شاء الله تعالى بما اشتمل عليه مما يستطاب أو يستحسن عند أئمة الحديث الأخيار، وضاما إليه مما في كتب الأئمة المعتبرين كاللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة لأمير الحفاظ والمحدثين من المتأخرين الشهاب أحمد بن حجر العسقلاني