للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآخرة بقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .

لقد استهوى الشيطان هؤلاء المغرورين فزين لهم أن يسنوا قوانين من عند أنفسهم ليتحاكموا إليها، ويفصلوا بها في خصوماتهم، وسول لهم أن يسنوا قواعد بمحض تفكيرهم القاصر وهواهم الجائر لينظموا بها اقتصادهم وسائر معاملاتهم؛ محاداة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وانتقاصا لتشريعها؛ زعما منهم أن تشريع الله لا يصلح للتطبيق والعمل به في عهدهم، ولا يكفل لهم مصالحهم، ولا يعالج ما جد من مشاكلهم؛ حيث اختلفت الظروف والأحوال عما كانت عليه أيام نزول الوحي في المعاملات وكثرت المشكلات؛ فلا بد لتنظيم المعاملات والفصل في الخصومات من قواعد جديدة يضعها المفكرون من أهل العصر، والواقفون على أحوال أهله المطلعون على المشاكل العارفون بأسبابها، وطرق حلها؛ لتكون مستمدة من ثقافتهم وحضارتهم.

فهؤلاء قد طغى عليهم الغرور المكروه فركبوا رءوسهم، ولم يقدروا عقولهم قدرها، ولم ينزلوها منزلتها، ولم يقدروا الله حق قدره، ولم يعرفوا حقيقة شرعه ولا طريق تطبيق منهاجه وأحكامه، ولم يعلموا أن الله قد أحاط بكل شيء علما؛ فعلم ما كان وما سيكون من اختلاف الأحوال وكثرة المشاكل وأنه أنزل شريعة عامة شاملة وقواعد كلية محكمة، قدرها بكامل علمه وبالغ حكمته؛ فأحسن تقديرها، وجعلها صالحة لكل زمان ومكان؛ فمهما اختلفت الطبائع والحضارات وتباينت الظروف والأحوال؛ فهي صالحة لتنظيم معاملات العباد، وتبادل المنافع بينهم، والفصل في خصوماتهم، وحل مشاكلهم وصلاح جميع شئونهم؛ في عباداتهم ومعاملاتهم.

إن العقول التي منحها الله عباده - ليعرفوا بها، وليهتدوا بفهمها لتشريعه إلى

<<  <   >  >>