مما أريد به الخصوص، وإلا ففي أي آية من الآيات بيان عدد الصلوات، وبيان تفاصيل الزكوات، أو بيان الحج إلى بيت الله الحرام بأصله وتفاصيله؟ !
لم يكن شرع الحج في هذا الوقت إنما شرع في المدينة في السنة التاسعة أو السنة العاشرة على الخلاف بين العلماء وأما ما كان من حج قبل ذلك فهو على الطريقة الموروثة عن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام لما بنى البيت هو وابنه إسماعيل، وأمره الله أن يؤذن في الناس كان الحج مشروعا فظل من أيام رسالة إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى أيام العرب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعد زمنه، أما فرضه في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فقد نزل ضمن آيات سورة آل عمران، وهذا لم ينزل في مكة، إنما نزل في السنة التاسعة من الهجرة أو في السنة العاشرة التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقال:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} وهو لم يتبين فيه أصل فريضة الحج ولا تفاصيل الحج ولا تفاصيل الصيام وقت نزول هذه الآية؟
والصيام أيضا فرض في المدينة بعد الهجرة بسنة، أين الصيام وتفاصيله؟ ، والجهاد بالسلاح وتفاصيله؟ والبيوع وتفاصيلها؟ ، وأين تحريم الربا؟ كل ذلك ما نزل إلا في المدينة.
فمعني الآية إذن إما أن يقال فيها: إنها من العام الذي أريد به الخصوص، أو يقال: تبيانا لكل شيء شرعه وفرضه على المسلمين وهم في مكة؛ لأن السورة مكية، فهي {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} مما أوجبه عليهم وشرعه لهم حتى وقت نزولها لا أنها بيان لكل حكم من أحكام الإسلام.
فهؤلاء الذين أنكروا السنة جملة، أو قالوا لا حاجة إليها جملة بتمامها اكتفاء بالقرآن واستدلالا بهاتين الآيتين، قد أخطئوا الطريق ولم يعرفوا تاريخ التنزيل، ولم يعرفوا واقع التشريع، ولم يعرفوا أن بيان ما في القرآن من