عن أن يدعيها ويسعى في تحقيقها، فقد كان صلى الله عليه وسلم أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولم يخالط أهل الكتاب حتى يتعلم منهم قصص الأنبياء وتاريخ أممهم وما جرى بينهم من الأحداث، وليس في آبائه من ملك حتى تتعلق نفسه بذلك ويطلب ملك آبائه، وبيان ذلك كما يلي:
١ - قدم الله بين يدي هذه القصة من الآيات ما بين فيها سنته العادلة وحكمته البالغة في القضاء على من علا في الأرض وأفسد فيها، ومنه على المستضعفين والتمكين لهم وإنالتهم من عدوهم فضلا منه ورحمة، والله عليم حكيم، قال تعالى:{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} وأتبع قصة قارون وما أصابه من الهلاك بقوله: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} ، وهذه هي سنته سبحانه في عباده، ولن تجد لسنة الله تبديلا، ثم فصل ذلك فيما ذكره بعد من القصة.
٢ - ولد موسى عليه الصلاة والسلام بمصر وكان ملكها -إذ ذاك- جبارا جائرا يقتل كل حديثي الولادة، فاضطرت أمه إلى إلقائه في اليم خوفا عليه من خطر القتل فالتقطه آل فرعون، وحين ذاك مر موسى بطور آخر من أطوار الخطر، وقضى الله لنبيه أن ينتهي بهم التفكير في أمره إلى أن يتخذه فرعون ولدا، وأن ينشأ في بيت ملك ليربى فيه على العزة وشدة البأس وقوة العزيمة، والأخذ بالحزم، ولا يصاب بما أصيب به قومه من العذاب والذل والهوان، وبذلك يصلح لحمل أعباء الرسالة ومواجهة فرعون في جبروته وطغيانه، ثم أولاه سبحانه نعمة أخرى، فكتب عليه ألا يرضع إلا من أمه، حتى اضطر فرعون ومن إليه أن يردوه إلى أمه، وهم لا يشعرون، وبهذا التدبير الحكيم واللطف الخفي أنجز الله