للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصفات، فعندنا معارض عقلي لنصوص المعاد من جنسه، وأقوى منه.

وقال متأولو آيات الأحكام على خلاف حقائقها، وظواهرها، والذي سوغ لنا هذا التأويل القواعد التي اصطلحتموها لنا، وجعلتموها أصلا نرجع إليه، فلما طردناها كان طردها أن الله ما تكلم بشيء قط، ولا يتكلم، ولا يأمر ولا ينهى، ولا له صفة تقوم به، ولا يفعل شيئا.

وطرد هذا الأصل لزوم تأويل آيات الأمر، والنهي، والوعيد، والثواب، والعقاب، وقد ذكرنا في كتاب الصواعق أن تأويل آيات الصفات، وأخبارها بما يخرجها عن حقائقها هو أصل فساد الدنيا والدين، وزوال الممالك، وتسليط أعداء الإسلام عليه إنما كان بسبب التأويل، ويعرف هذا من له اطلاع، وخبرة بما جرى في العالم.

ولهذا يحرم عقلاء الفلاسفة التأويل مع اعتقادهم بصحته؛ لأنه سبب لفساد العالم وتعطيل للشرائع، ومن تأمل كيفية ورود آيات الصفات في القرآن والسنة علم قطعا بطلان تأويلها بما يخرجها عن حقائقها، فإنها وردت على وجه لا يحتمل التأويل بوجه فانظر إلى قوله -تعالى-: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} هل يحتمل هذا التقسيم والتنويع تأويل إتيان الرب -جل جلاله- بإتيان ملائكته وآياته؟ وهل يبقى مع هذا السياق شبهة أصلا في أنه إتيان بنفسه!

وكذلك قوله -تعالى-: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} . إلى أن قال {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} .

ففرق بين الإيحاء العام، والتكليم الخاص، وجعلها نوعين ثم أكد فعل

<<  <   >  >>