في كتاب الله -جل وعز- فإن المعاني لا يرفعها تقدُّم، ولا يُزري بها تأخر. أما الألفاظ، فلعمري إن الموضع معتبر فيها".
ومصادر المحتسب -كما يقول في المقدمة- نوعان: كتب يأخذ منها، وروايات صح لديه الأخذ بها.
فأما الكتب فهي:
١- كتاب أبي بكر أحمد بن موسى بن مجاهد، الذي وضعه لذكر الشواذ من القراءة.
٢- كتاب أبي حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني.
٣- كتاب أبي علي محمد بن المستنير قطرب.
٤- كتاب المعاني للزجاج.
٥- كتاب المعاني للفراء.
وأما ما صح عنده الأخذ به مما يرويه عن غيره فيقول عنه: "لا نألو فيه ما تقتضيه حال مثله من تأدية أمانته، وتحرِّي الصحة في روايته".
وقد نقل عن طائف من رواة اللغة وعلمائها، وسنقصر الكلام على نقله عمن يبدو أثرهم في الكتاب، ويكثر ذكرهم فيه.
ولم يكن ابن جني يتقبل كل ما ينقله أو يأخذه على ما خيلت؛ ولكنه كان ينظر فيه وينقده، في تلطف ورفق حينًا، وفي قوة وعنف حينًا آخر، صريحًا واضحًا، وحُرًّا مستقلًّا، وعادلًا منصفًا في كل حين، ينشد الحقيقة وينزل على حكمها أنَّى تكون.
لقد نقل عن سيبويه واستشهدج بكثير من شواهده، فوافقه وخالفه، وربما جاوز الوفاق إلى الدفاع، وجاوز الخلاف إلى الإنكار والملام، كما في الاحتجاج لقراءة: "وَيُعَلِّمْهُمُ الْكِتَابَ"١ بسكون الميم، فقد أورد قول امرئ القيس:
فاليوم أَشربْ غير مستحقِب ... إثمًا من الله ولا واغل
ثم قال: "وأما اعترض أبي العباس هنا على الكتاب، فإنما هو على العرب لا علي صاحب الكتاب؛ لأنه حكاه كما سمعه، ولا يمكن في الوزن أيضًا غيره. وقول أبي العباس: إنما الرواية "فاليوم فاشرب"، فكأنه قال لسيبويه: كذبتَ على العرب، ولم تسمع ما حكيت عنهم! وإذا بلغ الأمر هذا الحد من السرَف؛ فقد سقطت كلفة القول معه".