ألَّف ابن مجاهد على رأس المائة الثالثة من الهجرة كتاب القراءات السبعة١؛ فانقسمت القراءات إلى شاذة وغير شاذة، وغلب وصف الشاذ على ما عدا القراءات السبع.
وبدا لأبي علي الفارسي أن يحتج للقراءات السبع؛ فألف كتابه الحجة، وفكَّر بعضَ الوقت أن يؤلف كتابًا مثله يحتج فيه للقراءات الشاذة؛ بل إنه فيما يقول ابن جني في مقدمة المحتسب:"قد هَمَّ أن يضع يده فيه ويبدأ به؛ فاعترضت خوالج هذا الدهر دونه، وحالت كبَواته بينه وبينه".
من أجل هذا تجرد ابن جني للقراءات الشاذة ينوب عن شيخه في الاحتجاج لها، ويؤدي حقها عليه، كما أدى شيخه حق القراءات غير الشاذة عليه؛ إذ كانت داعية الاحتجاج للنوعين ثابتة، والاستجابة لها لازمة؛ بل لعل داعية الاحتجاج للشاذ أثبت، والاستجابة لها ألزم.
قال في المقدمة يشرح غرضه من الاحتجاج للشاذ:" ... غرضنا منه أن نرى وجه قوة ما يسمى الآن شاذًّا، وأنه ضارب في صحة الرواية بجرانه، آخذ من سَمت العربية مهلة ميدانه؛ لئلا يُرَى مرى أن العدول عنه إنما هو غض منه أو تهمة له".
ويقول في موضع آخر منها يبين رأيه في الشاذ ومكانه عند الله:".... إلا أننا وإن لم نقرأ في التلاوة به مخافة الانتشار فيه، ونتابع مَن يتبع في القراءة كل جائز رواية ودراية، فإنا نعتقد قوة هذا المسمى شاذًّا، وأنه مما أمر الله تعالى بتقبُّله، وأراد منا العمل بموجبه، وأنه حبيب إليه، ومرضي من القول لديه".
وزاده رغبة في الإقبال على الشاذ والاحتجاج له أن أحدًا من أصحابه لم يتقدم للاحتجاج له على النحو الذي يريد، قال: "فإذا كانت هذه حاله عند الله ... وكان مَن مضى من أصحابنا لم يضعوا للحجاج كتابًا فيه، ولا أَوْلَوه طرفان من القول عليه؛ وإنما ذكروه مرويًّا مسلَّمًا