للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كضربت زيدًا رأسه، والاشمال كأُحب زيدًا عقله. وهذا البدل ونحوه واقع في الأفعال وقوعه في الأسماء لحاجة القبيلين إلى البيان، فمن ذلك قول الله سبحانه: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} ١؛ لأن مضاعفة العذاب هو لُقِيُّ الأثام، وعله قوله "٣٣و":

رُويدًا بني شيبان بعض وعيدكم ... تُلاقوا غدا خيلي على سَفَوان

تلاقوا جيادًا لا تَحيد عن الوغى ... إذا ما غَدَت في المأزِق المتداني

تلاقوهم فتعوفوا كيف صبرهم ... على ما جَنَتْ فيهم يدا الحدثان٢

فأبدل تلاقوا جيادًا من قوله: تلاقوا غدا خيلي، وجاز إبداله منه للبيان وإن كان من لفظه وعلى مثاله؛ لما اتصل بالثاني من قوله: جيادًا لا تحيد عن الوغى، وأبدل تلاقوهم من تلاقوا جيادًا؛ لما اتصل به من المعطوف عليه وهو قوله: "فتعلموا٣ كيف صبرهم"، وإذا حصلت فائدة البيان لم تُبل أَمِنْ نفس المبدل كانت، أم مما اتصل به فضلةً عليه، أم من معطوف مضموم إليه؟ فإن أكثر الفوائد إنما تجتنى من الألحاق والفضلات. نعم، وما أكثر ما تُصْلِحُ الجمل وتتممها، ولولا مكانها لَوَهتْ فلم تستمسك.

ألا تراك لو قلت: زيد قامت هند لم تتم الجملة؟ فلو وصلت بها فضلة ما لتمت؛ وذلك كأن تقول: زيد قامت هند في داره، أو معه، أو بسببه، أو لتكرمه، أو فأكرمته، أو نحو ذلك، فصحت المسألة؛ لعود الضمير على المتبدأ من الجملة. وعليه قول كثير فيما أظن:

وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبدو وتاراتٍ يَجُم فيغرَق٤

فبالمعطوف على يحسر الماء ما تمت٥ الجملة، وفي هذا بيان.


١سورة الفرقان: ٦٨، ٦٩.
٢ الشعر لوداك بن ثميل المازني. ورُوي: "رويد بني" بالإضافة، وبين البيت الثاني والثالث قوله:
عليها الكماة الغر من آل مازن ... ليوث طعان عند كل طعان
الحماسة: ١/ ٤١، وسفوان: ماء على قدر مرحلة من باب المربد بالبصرة، وبه ماء كثير السافي، وهو التراب. معجم البلدان.
٣ لفظ الشاعر: "فتعرفوا ".
٤ البيت في ديوان ذي الرمة: ٣٩١، حسر الماء: انكشف.
٥ ما زائدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>