للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما قدمناه من أن الرمي لما كان بإقداره ومشيئته صار كأنه هو الفاعل له "٤٠ظ" وهو كثير، منه قول الإنسان لمن ينتسب إليه: إنما أَرى بعينك وأسمع بأذنك والفعل منك؛ وإنما أنا آلة لك، ومن عَرف طريق القوم في اللغة سقطعت عنه مئونات التعسف والشُّبَه.

ومن ذلك قراءة ابن عباس وعكرمة وعطاء: "يُخَوِّفُكُمْ أَوْلياءَه"١.

قال أبو الفتح: في هذه القراءة دلالة على إرادة المفعول في يخوف وحذفه في قراءة أكثر الناس: {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} . وليس هذا كقولنا: فلان يُخوِّف غلامه ويخوف جاريته مِن ضربه إياهما وإساءته إليهما. فالمحذوف هنا هو المفعول الثاني، وهو في الآية المفعول الأول على ما قدمنا.

ومن ذلك قراءة الحر النحوي٢: "يُسْرِعون"٣ في كل القرآن.

قال أبو الفتح: معنى "يسارعون" في قراءة العامة: أي يسابقون غيرهم، فهو أسرع لهم وأظهر خفوفًا بهم، وأما "يسرعون" فأضعف معنى في السرعة من يسارعون؛ لأن مَن سابق غيره أحرص على التقدم ممن آثر الخفوف وحده، وأما سَرُع فعادة ونحيزة؛ أي: صار سريعًا في نفسه.

وفعَل من لفظ فَاعلتُ ضربان: متعد، وغير متعد؛ فالمعتدي كضربت زيدًا وضاربته، وغير المتعدي كقمت وقاومت زيدًا. وأما أسرع وسَرُع جميعًا فغير متعديين؛ لكن سَرُع غريزة، وأسرع كلَّف نفسه السرعة؛ لكن سارع متعد٤.

ومن ذلك ما رواه رَوْح٥ عن أحمد عن عيسى أنه كان يقرأ: "بقُرُبان"٦ بضم الراء.


١ سورة آل عمران: ١٧٥.
٢ هو الحر بن عبد الرحمن النحوي القارئ، سمع أبا الأسود الدؤلي، وعنه طلب إعراب القرآن أربعين سنة. بغية الوعاة: ١٧٦.
٣ سورة آل عمران: ١٧٦.
٤ أي: لأن المراد به المشاركة كما يفهم من تفسيره "يسارعون"، وليس المراد به معنى أفعل.
٥ هو روح بن عبد المؤمن أبو الحسن الهذلي مولاهم البصري النحوي، مقرئ جليل ثقة ضابط مشهور، عرض على يعقوب الحضرمي، وهو من جلة أصحابة، وروى الحروف عن أحمد بن موسى وغيره، مات سنة ٢٣٤ أو سنة ٢٣٥. طبقات القراء: ١/ ٢٨٥.
٦ في الآية ١٨٣ من سورة آل عمران.

<<  <  ج: ص:  >  >>