للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما أراد: أو أنتم تنزلون، أفلا تراه كيف عطف المبتدأ والخبر على فعل الشرط الذي هو تركبوا؟ وعليه قول الآخر:

إن تُذنبوا ثم تأْتيني بقيتكم ... فما عليَّ بذنب منكم فوت١

فكأنه قال: إن تذنبوا ثم أنتم تأتيني بقيتكم، هذا أوجه من أن يحمله على أنه جعل سكون الياء في تأْتيني علَم الجزم، على إجراء المعتل مجرى الصحيح نحو قوله:

ألم يأْتيك والأنباء تنمي٢

فهذا جواب كما تراه.

وإن شئت ذهبت فيه مذهبًا آخر غيره، إلا أن فيه غموضًا وصنعة؛ وهو أن يكون أراد: ثم يدركْه الموت جزمًا، غير أنه نوى الوقف على الكلمة فنقل الحركة من الهاء إلى الكاف؛ فصار يدركُه، على قوله:

من عنَزِيِّ سبَّني لَمْ أضربُه٣

أراد: لم أضربْه، ثم نقل الضمة إلى الباء لما ذكرناه، كقوله:

أَلْهَى خليلي عن فراشي مسجدُهْ ... يأيها القاضي الرشيد أَرشِدُهْ

أي: أَرشِدْه، ثم نقل الضمة، فلما صار يدركُهْ حرك الهاء بالضم على أول حالها، ثم لم يُعِدْ إليها الضمة التي كان نقلها إلى الكاف عنها؛ بل أقر الكاف على ضمها، فقال: "ثُمَّ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ"، وقد جاء ذلك عنهم. أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بقول الشاعر:

إن ابن أحوص معروفًا فبلِّغُهُ ... في ساعديه إذا رام العلا قِصَرُ


١ انظر: اللسان "بقي"، والبحر: ٣/ ٣٣٦.
٢ عجزه:
بما لاقت لبون بني زياد
وهو لقيس بن زهير العبسي، ويروى: "إلم يبلغك" مكان "ألم يأتيك". الكتاب: ٢/ ٥٩، والنوادر: ٢٠٣، والأغاني: ١٦/ ٢٨.
٣ صدره:
عجبت والدهر كثير عجبه
هو لزياد الأعجم. وعنزة: قبيلة من ربيعة بن نزار، وهم عنزة بن أسد بن ربيعة. وزيادة الأعجم من عبد القيس، وسُمي الأعجم للكنة كانت فيه. الكتاب: ٢/ ٢٨٧، وشواهد الشافية: ٢٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>