للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما "وادَّكرُوا" فأراد تذكروا، وهذا كقوله تعالى: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا} ١.

ومن ذلك قراءة السُّلمي: "إيَّان مرساها"٢ بكسر الهمزة.

قال أبو الفتح: أما "أَيَّان" بفتح الهمزة فَفَعْلان، وبكسرها فِعْلان، والنون فيهما زائدة حملًا على الأكثر في زيادة النون في نحو ذلك.

فإن قيل: فهلا جعلتها فَِعَّالا من لفظ أين، قيل: يمنع من ذلك أن أيان ظرفُ زمان وأين ظرف مكان؛ لكنها ينبغي أن تكون من لفظ "أي"؛ لما ذكرناه من اعتبار زيادة النون في نحو هذا.

ولأن "أيًّا" استفهام كما أن "أَيان" استفهام، وأن "أَيّ" أين كانت فهي بعض من كل، والبعض لا يخص زمانًا من مكان ولا جوهرًا من حدث، فحملها على "أي" أولى من حملها على أين.

وقد كنا قلنا في أي هذه: إنها من لفظ أَوَيْتُ ومعناه.

أما اللفظ فلأن باب طويت وشويت أضعاف باب حَيِيت وعَيِيت.

وأما المعنى فلأن البعض آوٍ إلى الكل ومتساند إليه، فهي إذن من قوله:

يأْوي إلى مُلْطٍ له وكَلْكَلِ٣

يصف البعير يقول: إنه يتساندُ بعضُه إلى بعض، فهو أقوى له، فأصلها على هذا أَوْيٌ، ثم قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصارت أَيّ، كقولك: طويت الكتاب طيًّا، وشويت اللحم شَيًّا.

ولو سمت رجلًا بأَيّان، فتحت الهمزة أو كسرتها، لم تصرفه معرفة؛ لأنها كحَمْدان وعِمْران، وإن كسَّرت ذلك الاسم على سِرْحان وسَراحين وحَوْمانة٤ وحوامِين قلت: أوايين، فظهرت الواو التي هي عين أَوَيْتُ، كقولك في تكسير ريَّان أو جمعه على مثال مفاعيل: روايِين، تظهر الواو التي هي عينه لزوال علة القلب عنها.


١ سورة النمل: ٤٧.
٢ سورة الأعراف: ١٨٧، وفي الأصل: "أيان يبعثون"، وهذه في النحل: ٢١، وفي النمل: ٦٥، وكسر همزة أيان لغة سليم، ومنهم السلمي. البحر المحيط: ٤/ ٤١٩، ٤٣٤.
٣ الملط: جمع ملاط ككتاب؛ وهو المرفق، الكلكل: الصدر.
٤ الحومانة: المكان الغليظ المنقاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>