للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ: "فَمَارتْ به" بألف عبد الله بن عمرو، وهذا من مار يمور: إذا ذهب وجاء، والمعنى واحد، ومنه سُمي الطريق مَوْرا للذَّهاب والمجيء عليه، ومنه الْمُورُ: التراب لذلك.

وقرأ ابن عباس: "فاستَمرَّت به "١، ومعناه: مرَّت مكلِّفَة نفسَها ذلك؛ لأن استفعل إنما يأتي في أكثر الأمر لمعنى الطلب؛ كقولك: استطعم أي: طلب الطُّعْم، واستوهب: طلب الْهِبَة، والباب على ذلك.

ومن ذلك قراءة سعيد بن جبير: "إِنِ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادًا"٢ نَصْبٌ، "أمثالَكم " نصب.

قال أبو الفتح: ينبغي -والله أعلم- أن تكون إن هذه بمنزلة ما، فكأنه قال: ما الذين تدعون من دون الله عبادًا أمثالكم، فأعمل إن إعمال "ما"، وفيه ضعف؛ لأن إن هذه لم تختص بنفي الحاضر اختصاص "ما" به، فتجري مجرى ليس في العمل، ويكون المعنى: إنْ هؤلاء الذين تدعون من دون الله إنما هي حجارة أو خشب، فهم أقل منكم لأنكم أنت عقلاء ومخاطبون، فكيف تعبدون ما هو دونكم؟

فإن قلت: ما تصنع بقراءة الجماعة: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} ؟ فكيف يُثبت في هذه ما نفاه في هذه؟

قيل: يكون تقديره أنهم مخلوقون كما أنتم أيها العباد مخلوقون، فسماهم عبادًا على تشبيههم في خلقهم بالناس٣، كما قال: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَان} ٤، وكما قال: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} ٥ أي: تقوم الصنعة فيه مقام تسبيحه.


١ سورة الأعراف: ١٨٩، وهذه إحدى الروايتين عند ابن عباس والأخرى: "فاستمرت بحملها"، وانظر: البحر المحيط: ٤/ ٤٣٩.
٢ سورة الأعراف: ١٩٤.
٣ وخرجها أبو حيان بما يجعل الآيتين متطابقتين في المعنى دون تأويل، وهو أن إنْ هي المخففة من الثقيلة، وأعملها عمل المشددة، ونصب خبرها على لغة مَن ينصب من ينصب أخبار إن أخواتها، أو على إضمار فعل تقديره: إن الذين تدعون من دون الله تدعون عبادًا أمثالكم. البحر المحيط: ٤/ ٤٤٤.
٤ سورة الرحمن: ٦.
٥ سورة الإسراء: ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>