للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يدي في حميت السكن تندخل١

ومنفعل في هذا شاذ؛ لأن ثلاثيه غير متعد عندنا.

ومن ذلك ما رواه الأعمش قال: سمعت أنَسًا٢ يقرأ: "لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمِزون"، قيل له: وما يجمزون؟ إنما هي "يجمحون"، فقال: يجمحون ويجمزون ويشتدون واحد.

قال أبو الفتح: ظاهر هذا أن السلف كانوا يقرءون الحرف مكان نظيره من غير أن تتقدم القراءة بذلك؛ لكنه لموافقته صاحبه في المعنى. وهذا موضع يجد الطاعن به إذا كان هكذا على القراءة مطعنًا، فيقول: ليست هذه الحروف كلها عن النبي -صلى الله عليه سلم- ولو كانت عنه لما ساغ إبدال لفظ مكان لفظ؛ إذ لم يثبت التخيير في ذلك عنه، ولما أنكر أيضًا عليه: "يجمزون"، إلا أن حُسْنَ الظن بأَنَس يدعو إلى اعتقاد تقدم القراءة بهذه الأحرف الثلاثة التي هي: "يجمحون" و"يجمزون" و"يشتدون"، فيقول: اقرأ بأيها شئت، فجميعها قراءة مسموعة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقوله عليه السلام: نزل القرآن بسبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ.

فإن قيل: لو كانت هذه الأحرف مقروءًا بجميعها لكان النقل بذلك قد وصل إلينا، وقيل: أَوَلَا يكفيك أنس موصِّلًا لها إلينا؟ فإن قيل: ان أنسًا لم يحكها قراءة؛ وإنما جمع بينها في المعنى، واعتل في جواز القراءة بذلك لا بأنه رواها قراءة متقدمة. قيل: قد سبق من ذكر حسن الظن ما هو جواب عن هذا.

ونحوٌ من هذه الحكاية "٧١ظ" ما يُروى عن أبي مَهدية٣ من أنه كان إذا أراد الأذان قال: الله أكبر مرتين، أشهد أن لا إله إلا الله مرتين كذلك إلى آخر الأذان، ينطق من ذلك بالمرة الواحدة، ويقول في إثرها: مرتين كما ترى، فيقال له: ليس هكذا الأذان، إنما هو كذا، فيقول: المعنى واحد، وقد علمتم أن التَّكْرَارَ عِيٌّ.


١ للكميت، وصدره:
لا خطوتي تتعتاطى غير موضعها
ويُروى: "السمن" مكان "السكن". والحميت: الزق الذي لا شعر عليه، وهو للسمن، والسكن: أهل الدار، جمع ساكن. انظر: المنصف: ١/ ٧٢، والبحر المحيط: ٥/ ٥٥، واللسان "دخل".
٢ هو أنس بن مالك الأنصاري، أبو حمزة، صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وخادمه. روى عنه سماعًا، وقرأ عليه قتادة والزهري. توفي سنة ٩١. طبقات ابن الجزري: ١/ ١٧٢.
٣ أعرابي صاحب غريب، يروي عنه أهل البصرة، وكان يهيج به المبرد كل سنة مديدة. الفهرست: ٦٩، وانظر أخباره في العقد: ٣/ ٤٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>