للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما قوله: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} فيجوز أن يكون معطوفًا على "الأنصار" في رفعه وجره، ويجوز أن يكون معطوفًا على "السابقون"، وأن يكون معطوفًا على "الأنصار" لقربه منه.

ومن ذلك قراءة الحسن: "صَدَقَةً تُطْهِرُهُم"١ خفيفة.

قال أبو الفتح: هذا منقول من طهَر وأَطهرته كظهر وأَظهرته. وقراءة الجماعة أشبه بالمعنى لكثرة المؤمنين؛ فذلك قرأت: "تُطَهِّرهم"، من حيث كان تشديد العين هنا إنما هو للكثير، وقد يؤدي فعلت وأَفعلت عن الكثرة من حيث كانت الأفعال تفيد أجناسها، والجنس غاية الجموع، ألا ترى أن ما أنشده الحسن من قوله:

أنت الفداءُ لقِبلة هدَّمتها ... ونَقَرتها بيديك كل منقَّر

ولم يقل: كل نَقْر، وهذا واضح، وعليه قراءة من قرأ: "وَأغْلَقَتِ الْأَبْوَاب"٢، وهو واضح.

ومن ذلك قراءة عبد الله بن يزيد: "أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهُ رِجَالٌ"٣ بكسر هاء "فيه" الأولى، وضم هاء "فيه" الآخرة مختَلَستين.

قال أبو الفتح: أصل حركة هذه الهاء الضم، وإنما تكسر إذا وقع قبلها كسرة أو ياء ساكنة، كقولك: مررت به، ونزلت عليه، وقد يجوز الضم مع الكسرة والياء، وقد يجوز إشباع الكسرة والضمة ومطلهما إلى أن تحدث الواو والياء بعدهما، نحو: مررت بهِي وبهُو، ونزلْتُ عليهِي وعليهُو، وهذا مشروح في أماكنه؛ لكن القول في كسر "فيه" الأولى وضم "فيه" الثانية.

والجواب "٧٢ظ" أنه لو كسرهما جميعًا أو ضمهما جميعًا لكان جميلًا حسنًا، غير أن الذي سوَّغ الخلاف بينهما عندي هو تكرير اللفظ بعينه؛ لأنه لو قال: "فيهِ فيهِ"، أو "فيهُ فيهُ" لتكرَّر اللفظ عينه ألبتة، وقد عرفنا ما عليهم في استثقالهم تكرير اللفظ حتى أنهم لا يتعاطونه إلا فيما يتناهى عنايتهم به، فيجعلون ما ظهر من تَجشمهم إياه دلالة على قوة مراعاتهم له، نحو قولهم:


١ سورة التوبة: ١٠٣.
٢ سورة يوسف: ٢٣، ولم أجد في المظان التي رجعت إليها ذكرًا لهذه القراءة.
٣ سورة التوبة: ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>