للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما "حَرُمَ" فمن حَرَمْتُه الشيءَ: إذا منعْتُه إياه، فقد عاد إذًا إلى معنى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ} . وأما "حَرْمٌ"، بفتح الحاء، وتسكين الراء فمخفف من حَرِمٌ على لغة بني تميم، فهو كبَطْر من بَطِرٍ، وفَخْذ من فَخِذٍ، وكَلْمة من كَلِمَة. وقال أبو وعلة:

لا تأمنَنْ قوما ظلمتَهُمُ ... وبدأتَهُمُ بالشرِّ والحِرْمِ.

فكسَر، فهذا يصلح أن يكون من معنى اللجاج والمحك، ويصلح أن يكون من معنى الحرمان، أي: ناصبتهم وحرمتهم إنصافك.

ومن ذلك قراءة ابن مسعود: "مِنْ كُلِّ جَدَث يَنْسِلُونَ١".

قال أبو الفتح: هو القبر بلغة أهل الحجاز، والجَدَفُ بالفاء لبني تميم. وقالوا: أجدثْتُ له جَدَثًا، ولم يقولوا: أجدفْتُ، فهذا يريك أن الفاء في "جَدَفٍ" بدل من الثاء في "جَدَثٍ". ألا ترى الثاء أذهب في التصرف من الفاء؟ وقد يجوز أن يكونا أصليين إلا أن أحدهما أوسع تصرفا من صاحبه، كما قالوا: وَكَّدْتُ عهدَه وأَكَّدْتُه، إلا أن الواو أوسع تصرفًا من الهمزة. ألا تراهم قالوا: قد وَكَدَ وَكْدَهُ٢، أي: شغل به، ولم يقولوا: أَكَدَ أَكْدَهُ؟ فالواوُ إذًا أوسعُ تصرفًا، وعليه قالوا: مودَّةٌ وكِيدَةٌ، ولم يقولوا: أكِيدَةٌ. وقالوا: وَكَّدْتُ السَّرجَ، والوِكَادُ٣، ولم تستعملْ هنا الهمزةُ، فهذا مذهبٌ مقتاس على ما رأيتك هنا.

ومن ذلك قراءة ابن السَّمَيفع: "حَصْبُ جَهَنَّمَ٤"، ساكنة الصاد.

وقرأ: "حَضَبُ"، بالضاد مفتوحة- ابن عباس.

وقرأ: "حَضْبُ"، ساكنة الضاد كُثِّير عَزَّة٥.


١ سورة الأنبياء: ٩٦.
٢ الوكد: الهم، والمراد، والقصد.
٣ الوكاد: سير يشد به الرحل، وجمعه وكائد. ويقال أيضا: أكاد.
٤ سورة الأنبياء: ٩٨.
٥ هو أبو صخر كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعي، صاحب عزة بنت جميل بن حفص بن أياس بن عبد العزى، وله فيها أشعار كثيرة. وكان عبد الملك بن مروان يتهمه بالتشيع مات سنة ١٠٥ ودفن في مقابر المدينة. تزيين الأسواق: ٣٩ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>