للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك قراءة الحر: "أُولَئِكَ يُسْرِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ

"١، أي يكونون سراعا.

قال أبو الفتح: يقال سُرع إلى الشيء وأسرع إليه، وقوله: "يُسْرِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ"، أي: يكونون سراعا إليها وفي عملها. وأما "يُسَارِعُون" فيسابقون، فمفعوله إذًا محذوف، أي يُسارِعُون مَنْ يُسَارِعُهم إليها، كقولك: يُسابِقُون إليها وفيها، أي يُسابِقُون مَنْ يُسابِقُهم إليها.

ومن ذلك قراءة ابن مسعود وابن عباس وعكرمة: "سُمَّرًا يُهَجِّرُونَ"٢.

وروي عن ابن محيص: "سُمَّرًا يُهْجِرُونَ".

قال أبو الفتح: السمَّرُ جمع سامِر، والسامِرُ: القوم يَسْمُرُون٣، أي: يتحدثون ليلا.

قال ذو الرمة:

وكَمْ عَرَّسَتْ بَعْدَ السُّرَى مِنْ مُعَرَّسٍ ... بِهِ مِنْ عَزِيفِ الجنِّ أصواتُ سَامِرِ٤

وروينا عن قطرب أن السامر قد يكون واحدا وجماعة وأما "يُهْجَرُون"، بسكون الهاء، وضم الياء فتفسيره: يفحشون القول، يقال: هَجَرَ الرجلُ في منطقِهِ، إذا هذى، وأهْجَرَ: أفحش. قال الشماخ:


= انظر في هذا تفسير الطبري "٩: ٣٩٤-٣٩٨" طبعة المعارف.
ولو كان الأمر في قراءة "يُؤْتُونَ مَا آتَوْا" أمر تحريف لا رواية ما غفل القراء عنه، ولا فاتهم التنبيه عليه، فغيرتهم على القرآن وتحريهم وجه الصواب فيه مما لا خلاف فيه ولا مزيد عليه.
ولا ندري أَوَقَعَ هذا التحريف في جميع المصاحف أم في بعض دون بعض؟ فإن كان فيها كلها فما هو بتحريف إذًا، ولكنه التواطؤ والاتفاق. وإن يكن في بعض دون بعض فكيف تعاقب القراء على التحريف وكثر قراؤه حتى كانوا الكثرة الكاثرة، وقلَّ قراء الصواب حتى كانوا القلة الضئيلة؟
وإذا كان التحريف بعد هذا محتملا في "آتوا" لأن الفرق يسير بين رسم الهمزة ممدودة ورسمها مقصورة فإنه يبدو بعيدا "يؤتون" لأن الفرق بينها وبين "يأتون" هو الفرق بين حرفين لا يتشابهان في الرسم من قريب أو بعيد، ولا يعقل أن تسأل عائشة إسماعيل هذا السؤال، لأن القرآن توقيف، فكيف تحكم فيه الأهواء؟
١ سورة المؤمنون: ٦١.
٢ سورة المؤمنون: ٦٧.
٣ في ك: يسمرون ليلا أي: يتحدثون.
٤ روي "كلام" مكان "عزيف". والتعريس: النزول آخر الليل للنوم والاستراحة. يتحدث عن الناقة وأنها كثيرا ما تقضي الليل في السرى. وانظر الديوان: ٢٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>