للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أمية:

تَبَارَكَ أمْ صِدِّيقُ حَقًّا ... كانَ مِن كُل عَتِيقَا

خالِقُ الخَلْقِ جَمِيعًا ... ويعُودُ الخَلْقُ صِيقَا

أي ترابا: والتاء في "تبارك" زائدة على بناء البيت. ومعتدة خزما كالواو في قوله:

وكأنَّ ثَبِيرًا في عَرَانِينِ وَبْلِهِ ... كَبِيرُ أُنَاسٍ في بِجَاد مُزَمَّلِ١

فالواو خَزْم، وهذا يكاد يسقط حكم ما يُبنَى من الزوائد في الكلم حتى يحسنَ له تحقير الترخيم، نحو قولهم: في حارث حُرَيْث، وفي أزهر زُهَيْر. ألا تراه كيف خزم بتاء "تبارك" وإن كانت مصوغة في نفس المثال كما تُخْزَم حروف المعاني المنفصلة من المُثُل، كواو العطف، وفائه، وبل، وهل، ويا، ونحو ذلك؟ ولهذا قالوا أيضا في تكسير فَعَلَان: فِعْلَان، ككَرَوَان وكِرْوَان، وشَقَذَان٢ وشِقْذان، فأجروه مجرى فَعَل وفِعْلان، نحو خَرَب٣ وخِرْبان، وشَبَثٍ٤ وشِبْثان، وبَرَق٥ وبِرْقَان. فاعرف ذلك إلى ما يليه من نحوه بمشيئة الله.

ومن ذلك قراءة الحسن وعمرو بن عبيد: "كَأَنَّهَا جَأنٌ"٦.

قال أبو الفتح: قد تقدم القول على نظير هذا فيما مضى من الكتاب٧، وذكرناه أيضا في الخصائص٨، وفي سر الصناعة٩، وفي المنصف١٠، وفي التمام، وغيره من مصنفاتنا وإنما كررناه لإعراب القول في معناه.


١ رواه الزوزني في شرحه للمعلقات السبع، وفيه "كأن" مكان "وكأن". وروي الشطر الأول في الديوان "٢٥":
كان أبانا في أفانين ودقه
وثبير وأبان: جبلان. والعرانين: جمع عرنين، وهو الأنف أو معظمه، واستعاره لأوائل المطر، إذ كانت الأنوف تتقدم الوجوه. والودق: المطر. والبجاد: كساء مخطط. ومزمل: ملفف بالثياب. وخفض "مزمل" على جوار "بجاد". شبه الجبل في جلاله وطرائق المطر عليه بشيخ مزمل في بجاد.
٢ الشقذان: الذي لا يكاد ينام.
٣ الخرب: ذكر الحبارى، لطائر.
٤ الشبث: العنبكوت، ودويبة كثيرة الأرجل.
٥ البرق: الحمل، فارسي معرب.
٦ سورة النمل: ١٠.
٧ انظر الصفحة ١٤٧ من الجزء الأول.
٨ الخصائص: ٣: ١٢٦.
٩ سر الصناعة: ١: ٨٣.
١٠ المنصف: ١: ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>