قال أبو الفتح:"يموتون" عطف على "يُقْضَى"، أي: لا يُقْضَى عليهم، ولا يموتون. والمفعول محذوف، أي: لا يُقْضَى عليهم الموت. وحسن حذفه هنا لأنه لو قيل: لا يُقْضَى عليهم الموت فيموتون، كان تكريرا يغني من جميعه بعضه، ولا توكيد أيضا فيه فيحتمل لفظه. وعلى كل حال فقد بينا في كتابنا هذا -وفي غيره- حسن حذف المفعول لدلالة الكلام عليه، وأنه لا يصدر إلا عن فصاحة عذبة.
وقراءة العامة في هذا أوضح وأشرح؛ وذلك أن فيه نفي سبب الموت، وهو القضاء عليهم. وإذا حذف السبب فالمسبب أشد انتفاء، ومن هذا قولهم: لم يقم زيد أمس؛ فنفي الماضي بلفظ المستقبل؛ وذلك أن المستقبل أسبق رتبة في النفس من الماضي، فإذا نفي الأصل كان الفرع أشد انتفاء، ونظائره كثيرة، فتأمله.
ومن ذلك قراءة ابن مسعود:"وَمَكْرًا سَيئًا"١.
قال أبو الفتح: يشهد لتنكيره تنكير ما قبله من قول الله سبحانه: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ} ، وقراءة العامة أقوى معنى؛ وذلك أن "المكر" فيها معرفة لإضافته إلى معرفة، أعنى "السَّيِّئ"، فكأنه قال: والمكرَ السَّيِّئ الذي هو عالٍ مستكرَه مستنكَر في النفوس. وعليه قال من بعد:{وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} ، وأبدل "استكبارا" وما بعده من النكرة قبله، وهي هو من قوله:{مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا} ، وحسن تنكير الاستكبار لأنه أدنى إلى "نفور" مما بعده. وقد يحسن مع القرب فيه ما لا يحسن مع البعد، واعتمد ذلك لقوة معناه بتعريفه، والإخبار عنه بأن مثله لا يخفى، لعظمه وشناعته.