للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكأنه إنما استعمل هنا صياح الطائر: الديك ونحوه؛ تنبيها على أن البعث -بما فيه من عظيم القدرة وإعادة ما استرم١ من إحكام الصنعة وإنشار الموتى من القبور- سهل على الله "سبحانه"، كزَقْيَةٍ زَقَاها طائرٌ. فهذا نحو من قوله: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} ٢، ونحو ذلك من الآي التي تدل على عظيم القدرة، جل الله جلالا، وعلا علوا كبيرا. وأنشد الفراء مستشهدا به على صحة الياء قوله:

تَلِدُ غُلامًا عارِمًا يُودِيكَ ... ولَو زَقَيْتِ كَزُقَاءِ الدِّيكِ٣

وقال: يُقال: زَقَوْتَ وزَقَيْتَ.

ومن ذلك قراءة الأعرج ومسلم بن جندب وأبي الزناد: "يَا حَسْرَهْ"٤، ساكنة الهاء، "عَلَى الْعِبَادِ".

وقرأ: "يَا حَسْرَةَ الْعِبَادِ" -مضافًا- ابن عباس والضحاك وعلى بن حسين ومجاهد وأبي ابن كعب.

قال أبو الفتح٥: أما "يَا حَسْرَهْ"، بالهاء ساكنة ففيه النظر. وذلك أن قوله: {عَلَى الْعِبَادِ} متعلق بها، أو صفة لها. وكلاهما لا يحسن الوقوف عليها دونه، ووجه ذلك عندي ما أذكره. وذلك أن العرب إذا أخبرت٦ عن الشيء -غير مُعْتَمِدَتٍهٍ ولا مُعْتَزِمَةٍ عليه- أسرعت فيه، ولم تتأن على اللفظ. المعبر به عنه. وذلك كقوله:

قُلْنَا لَها قِفِي لَنا قالَتْ قَافْ٧

معناه: وقفْتُ، فاقتصَرَتْ من جملة الكلمة على حرف منها؛ تهاوُنًا بالحالِ، وتثاقُلًا على الإجابة، واعتماد المقال. ويكفي في ذلك قول الله سبحانه: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ


١ استرم: حان أن يرم ويصلح.
٢ سورة لقمان: ٢٨.
٣ ضبط "تلد" في الأصل بضم الدال، والوزن يقتضي تسكينها، أو اعتبار التاء خزما. وانظر الصفحة ١٣٤ من هذا الجزء. وعارما: شرسا مؤذيا.
٤ سورة يس: ٣٠.
٥ سقط في ك: قال أبو الفتح.
٦ في ك: خبرت.
٧ انظر الصفحة ٢٠٤ من الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>