للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثله أن يقول الإنسان: القرآن ليس بمعجز، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ليس بمرسل، فتقول أنت: هذا الذي تقول الحق باطل، وهو لم يلفظ بذلك، لكن صورته صورة من لفظ به.

وعليه قول الله "سبحانه": {يَدْعُو [١٤٥و] لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ ١} ، إذا تأولت ذلك على أنه كأنه قال: يقول: لمن ضره أقرب من نفعه إله، ثم حذفت خبر المبتدأ، وإن كان هو لم يقل ذلك، بل هو يعتقد أن نفعه أقرب من ضره، لكنك أخبرت عنه أن صورته مع تحصيلها صورة من يقول: ذلك.

ومن ذلك قراءة أبي رجاء: "لَمَّا مَتَاع٢".

قال أبو الفتح: ما هنا بمنزلة الذي، والعائد إليها من صلتها محذوف، وتقديره: وإن كل ذلك للذي هو متاح الحياة الدنيا، فكأنه قال: وإن كل ذلك لما يتمتع به أحوال الدنيا، فجاز حذف هذا الضمير على انفصاله جوازا قصدا لا مستحسنا، ومثله على توسطه قراءة من قرأ: "مَثَلًا مَا بَعُوضَة٣، أي: ما هو بعوضة، وقوله:

لم أر مثل الفتيان في غبن الـ ... أيام ينسون ما عواقبها٤

أي: ينسون الذي هو عواقبها. وقد ذكرناه بما فيه، إلا أن ابن مجاهد لم يذكر كيف إعراب "كل" في هذه الآية؟ هل هو مرفوع أو منصوب؟ وينبغي أن يكون منصوبا؛ وذلك أن "أن" هذه مخففة من الثقيلة، ومتى خففت منها وأبطل نصبها لزمتها اللام في آخر الكلام للفرق بينها وبين إن النافية بمعنى ما، وذلك قولك: إن زيد لقائم، وقوله:

شلت يمينك إن قتلت لمسلما٥


١ سورة الحج: ١٣.
٢ سورة الزخرف: ٣٥.
٣ سورة البقرة: ٢٦، ورفع "بعوضة" قراءة الضحاك، وإبراهيم بن أبي عبلة، ورؤية بن العجاج، وقطرب، كما في البحر: ١: ١٢٣.
٤ انظر الصفحة ٢٣٥ من الجزء الأول.
٥ لعاتكة بنت زيد العدوية بنت عم عمر بن الخطاب من قصيدة ترثى بها الزبير ابن العوام، والخطاب لعمرو بن جرموز قاتل الزبير. وعجزه:
حلت عليك عقوبة المتعمد
وانظر مختصر شرح الشواهد للعيني: ١٢١، ١٢٢، والدرر اللوامع: ١: ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>