للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك قراءة الأعرج: "ثُمَّ نُتْبِعُهُم١"، بالجزم.

قال أبو الفتح: يحتمل جزمه أمرين:

أحدهما أن يكون أراد معنى قراءة الجماعة: {نُتْبِعُهُم} ، بالرفع، فأسكن العين استثقالا لتوالي الحركات على ما مضى في غي موضع من هذا الكتاب٢.

والآخر أن يكون جزءا، فيعطفه على قوله: "نُهْلِك"، فيجري مجرى قولك: ألم تزرني ثم أعطك؟ كقولك٣: فأعطك ألم أحسن إليك ثم أوال ذلك عليك؟ فيكون معنى هذه القراءة أنه يريد قوما أهلكهم الله سبحانه بعد قوم قبلهم على أختلاف أوقات المرسلين إليهم شيئا بعد شيء فلما ذكر ما تقضي على اختلاف الأوقات فيه قال تعالى مستأنفا: {كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِين} ، فيكون المجرمون هنا من نهلكه من بعد. وقد يجوز أن يعني بالمجرمين من مضى منهم ومن يأتي فيما بعد، المعنيان جميعا متوجهان.

ومن ذلك قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير -واختلف عنهما-: "كَالْقَصْر"، بكسر القاف، وفتح الصاد.

قال أبو الفتح: رواها أبو حاتم: "كالقصر" - القاف والصاد مفتوحان - عن ابن عباس وسعيد بن جبير، وروى أيضا عن سعيد بن جبير: "كالقصر"، بكسر القاف، وفتح الصاد، وقال: القصر: أصول الشجر، الواحدة قصرة. وكذا رواها لنا أبو علي أيضا، قال: ومنه قولهم: غلة نقية من القصر، قال: وقول الكتاب: نقية من القصر لا وجه له.

قال أبو حاتم: قال الحسن: أصول الشجر، قال: وقال قتادة والكلبي: أصول الشجر والنخل. وقال مجاهد: حزم الشجر، قال: وكذلك قرأها مجاهد.

قال أبو حاتم: لعل القصر -بكسر القاف- لغة، كحاجة وحوج. قد قالوا أيضا في حلقة الحديد: حلقة -بفتح اللام- وقالوا: حلق؛ بكسر الحاء. أبو حاتم: قال الحسن: قصرة وقصر، مثل جمرة وجمر، كأنه قرأها ساكنة الصاد. قال: والعامة يجعلونها على القصور.


١ سورة المرسلات: ١٧.
٢ انظر الصفحة ١٠٩ من الجزء الأول، و٣٣٨ من هذا الجزء.
٣ كذا في النسختين، وينبغي أن تكون العبارة: فأعطك كقولك، بتأخير كقولك.
٤ سورة المرسلات: ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>