٣ - معرفة الأبواب: ورجل العلل الحافظ العارف الفهم لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بعد أن جمع الأحاديث في الأبواب. وأحاديثه كما سبق وأن قلت: إنها مرتبة على الأسانيد فهي أيضا مرتبة على الأبواب: باب الطهارة.. الصلاة.. الزكاة ... وهكذا، والعملية النقدية عنده هي عرض ما يسمعه على أبوابه وأصوله، وبعد هذا العرض يذكر نتيجة من النتائج الكثيرة عنده: معروف.. منكر.. مشهور.. غريب.. شاذ.. لا أصل له ...
وفي معرفة الأبواب وحصرها اشتهر عدد من العلماء كالإمام أحمد والبخاري وأبي زرعة، وهذا أبو زرعة يقول لعبد الله بن الإمام أحمد:"ذاكرت أباك فوجدته يحفظ ألف ألف حديث، فقال عبد الله: كيف ذاكرته؟ قال أبو زرعة: ذاكرته على الأبواب". ومعنى هذا أنهما يذكران رؤوس الموضوعات، والعناوين التي تضم عددا من الأحاديث.
ولا غرابة في هذه القدرة على جمع الأبواب وعرضها من إمام كأحمد - رضي الله عن هـ - ولكن الغرابة أن يجمع هذا ويعرضه رجل الدولة مع مسؤولياته ومشاغله، فقد أورد الحاكم أبو عبد الله في كتابه معرفة علوم الحديث قصة دارت بين المأمون ورجل ادعى معرفة الحديث وجاء يطلب رفده فقال: يا أمير المؤمنين، صاحب حديث منقطع، فقال له المأمون: أيش تحفظ في باب كذا؟ فلم يذكر فيه شيئا، فما زال المأمون يقول: حدثنا هشيم وحدثنا حجاج بن محمد وحدثنا فلان حتى ذكر الباب، ثم سأله عن باب ثان، فلم يذكر فيه شيء فذكره المأمون".
وروي عن علي بن المديني أنه قال: "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه".