الثقات الحفاظ إذا حدثوا من حفظهم وليسوا بفقهاء، قال ابن حبان: ـ عندي ـ لا يجوز الاحتجاج بحديثهم. لأن همتهم حفظ الأسانيد والطرق، دون المتون.
قال: وأكثر من رأينا من الحفاظ كانوا يحفظون الطرق، ولقد كنا نجالسهم برهة من دهرنا على المذاكرة، ولا أراهم يذكرون من متن الخبر إلا كلمة واحدة، يشيرون إليها.
قال: ومن كانت هذه صفته، وليس بفقيه، فربما يقلب المتن، ويغير المعنى إلى غيره، وهو لا يعلم، فلا يجوز الاحتجاج به، إلا أن يحدث من كتابه، ويوافق الثقات.
وقد ذكرنا هذا عن ابن حبان، فيما تقدم، وبينا أن هذا ليس على إطلاقه، وإنما هو مختص بمن عرف منه عدم حفظ المتون وضبطها، ولعله يختص بالمتأخرين من الحفاظ، نحو من كان في عصر ابن حبان، فأما المتقدمون كشعبة، والأعمش، وأبي إسحاق، وغيرهم فلا يقول ذلك أحد في حقهم، لأن الظاهر من حال الحافظ المتقن حفظ الإسناد والمتن، إلا أن يوقف منه على خلاف ذلك، والله أعلم.
وقد سبق قول الشافعي أن من حدث بالمعنى، ولم يحفظ لفظ الحديث، إنه يشترط فيه أن يكون عاقلاً لما يحدث به من المعاني، عالماً بما يحيل المعنى من الألفاظ، وأن من حدث بالألفاظ، فإنه يشترط أن يكون حافظاً للفظ الحديث، متقناً له، والله أعلم.