وأما الناحية الثانية من المؤثرات الاجتماعية: فهي الأوبئة والمجاعات:
وما كان يتعرض له الناس في هذا القرن من الأوبئة والمجاعات فإن الحديث عنه يطول، ولا بد أن يكون لهذه الأوبئة أثرها على النفوس، فتوجهها نحو بارئها بالتضرع والخشية كلما قسمت القلوب، أو طال عليها الأمد. فهذا طاعون سنة ٧٤٩هـ ملأت مآسيه الصفحات، وما أصاب الناس من جرائه من العنت سجله المؤرخون، وعلى رأسهم عماد الدين بن كثير فقال:"وكثر الموت في الناس بأمراض الطواعين، وزادت الأموات كل يوم على المائة، وإذا وقع في أهل بيت لا يكاد يخرج حتى يموت أكثرهم، ثم زاد الموتى على المائتين في كل يوم، وتعطلت مصالح الناس". ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يزداد الضنك على الناس حتى تكاد القلوب تخرج من صدورها، فيقول ابن كثير:"وفي يوم الاثنين ثاني عشر رجب حصل بدمشق وما حلوها ريح شديدة، أثارت غبارا شديدا، اصفر الجو منه، ثم اسود، حتى أظلمت الدنيا، وبقي الناس يستجيرون الله، ويستنصرون، ويبكون، مع ما هم فيه من شدة الموت، وبلغ المصلى عليهم في الجامع الأموي نحو المائة وخمسين".
ويودع الناس هذا الموت الأسود، ويتنفسون الصعداء، وما إن تهل عليهم سنة ٧٦٥هـ حتى تأتي موجة أخرى منه، يصاحبها الجراد والغلاء، يقول ابن كثير:"واستهل شهر شوال سنة ٧٦٥هـ والجراد قد أتلف شيئا كثيرا من البلاد، ورعى الخضراوات والأشجار، وأوسع أهل الشام في الفساد، وغلت الأسعار واستمر الفناء، وكثر الضجيج والبكاء، وفقدت كثيرا من الأصحاب والأصدقاء".
[(ج) الحالة العلمية]
شهد العصر المملوكي بشكل عام، والقرن الثامن بشكل خاص، حركة علمية، ناشطة، ولقد كان هذا النشاط فريدا في كميته ونوعيته، ويبدو أن