لا يجوز ـ عندي ـ الاحتجاج بخبره، لأنه إذا حدث من حفظه فالغالب عليه حفظ المتون، دون الأسانيد.
وهكذا رأينا أكثر من جالسناه من أهل الفقه، كانوا إذا حفظوا الخبر لا يحفظون إلا متنه. وإذا ذكروه أول أسانيدهم يكون: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا يذكرون بينهم وبين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحداً.
فإذا حدث الفقيه من حفظه ربما صحف الأسماء، وأقلب الأسانيد ورفع الموقوف، وأوقف المرسل، وهو لا يعلم، لقلة عنايته به، وأتى بالمتن على وجهه، فلا يجوز الاحتجاج بروايته إلا من كتاب أو يوافق الثقات في الأسانيد.
قلت: هذا إن كان الفقيه حافظاً للمتن، فأما من لا يحفظ متون الأحاديث بألفاظها من الفقهاء، وإنما يروي الحديث بالمعنى فلا ينبغي الاحتجاج بما يرويه من المتون، إلا بما يوافق الثقات في المتون، أو يحدث به من كتاب موثوق به.
والأغلب أن الفقيه يروي الحديث بما يفهمه من المعنى، وأفهام الناس تختلف، ولهذا نرى كثيراً من الفقهاء يتأولون الأحاديث بتأويلات مستبعدة جداً، بحيث يجزم العارف المنصف بأن ذلك المعنى الذي تأول (به) غير مراد بالكلية.
فقد يروي الحديث على هذا المعنى الذي فهمه.
وقد سبق أن شريكاً روى حديث الوضوء بالمد بما فهمه من المعنى. وأكثر فقهاء الأمصار يخالفونه في ذلك.