فدل كلام أحمد وأبي زرعة وأبي حاتم على أن الاتصال لا يثبت إلا بثبوت التصريح بالسماع، وهذا أضيق من قول ابن المديني والبخاري، فإن المحكى عنهما: أنه يعتبر أحد أمرين: أما السماع، وإما اللقاء. وأحمد ومن تبعه عندهم لا بد من ثبوت السماع.
ويدل على أن هذا مرادهم أن أحمد قال: ابن سيرين لم يجيء عنه سماع من ابن عباس. وقال أبو حاتم: الزهري أدرك أبان بن عثمان، ومن هو أكبر منه، ولكن لا يثبت له السماع (كما أن حبيب بن أبي ثابت لا يثبت له السماع) من عروة، وقد سمع ممن هو أكبر منه، غير أن أهل الحديث قد اتفقوا على ذلك، واتفاقهم على شيء يكون حجة.
واعتبار السماع أيضاً لاتصال الحديث هو الذي ذكره ابن عبد البر، وحكاه عن العلماء، وقوة كلامه تشعر بأنه إجماع منهم، وقد تقدم أنه قول الشافعي أيضاً.
وحكى البرديجي قولين في ثبوت السماع بمجرد اللقاء، فإنه قال قتادة حدث عن الزهري. قال بعض أهل الحديث: لم يسمع منه. وقال بعضهم: سمع منه، لأنهما التقيا عند هشام بن عبد الملك.
ومما يستدل به أحمد وغيره من الأئمة على عدم السماع الاتصال، أن يروي عن شيخ من غير أهل بلدة، لم يعلم أنه دخل إلى بلده، ولا أن الشيخ قدم إلى بلد كان الراوي عنه فيه.
نقل مهنا عن أحمد، قال: لم يسمع زرارة بن أوفى من تميم الداري، تميم بالشام وزرارة بصري.