للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس من عقائد وسلوك لا يتفق معها، لكنها دعوة جاءت للتبليغ والنشر. فبعد الفترة السرية التى مهدت لها، جهر بها علنا فى شكل عام، وكان من الطبيعى أن يعلن بها أسرته الكبيرة من قريش، لعلها تسلم معه، أو على الأقل لا تمسه بسوء. فنادى بها على الصفا صادعا بأمر ربه، وبنى نداءه على أسلوب نفسي حكيم، إذ انتزع منهم أولا الاعتراف بأنه صادق أمان، وأنه لا يغشهم ولا يخدعهم، فقال لهم: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقى؟ ) قالوا: نعم ها جربنا عليك إلا صدقا. قال: (فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد ... ). وقال لهم فى إحدى اللقاءات (إن الرائد لا يكذب أهله، والله لو كذبت الناس جميعا ما كذبتكم، ولو غررت الناس جميعا ما غررتكم) (١). وهذا أسلوب عظيم فى أخذ الحجة على الغير، ولكن عناد القوم صرفهم عن الإيمان به، بل دعاهم إلى الاستهزاء به والكيد له، وصدف الله إذ يقول: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (٢).

لقد أرادوها دعوة أرستقراطية، تنزل على كبار السادة فيهم، ولا يزحمهم فيها سواد الناس من العبيد


(١) رواهما البخارى.
(٢) سورة النمل: ١٤

<<  <   >  >>